banarlogo

الولادة في السجون: جرائم بعثية مسكوت عنها

د. رائد عبيس

واحدة من الجرائم البعثية التي تستحق البحث بتفاصيلها الدقيقة هي جريمة انتهاك حق المرأة بالولادة في السجون، كجريمة انتهاك لها أبعاد متعددة تتعلق بحق المرأة الحامل من جانب، وبحق الطفولة ورعايتها من جانب آخر، وحق الأبوين في رعاية وليدهما.

إلا أن هذا الحق سلب تماماً، وكان امتداداً لسلب مزيد من الحقوق المعنية بالطفولة، وهي التي لم تسلم من جرائم البعث المتعددة، فالطفولة في جرام حزب البعث لها شأنها الخاص، إذ تعرض الأطفال في نظام البعث إلى: قطع الرؤوس، والحرق، والدفن الحي، والتقطيع، والإذابة بالتيزاب (كما حدث لعائلة آل طعمة)، والبيع، والإبعاد عن الأهل، والقتل بالرصاص، والقتل بالتعذيب وغيرها من الأساليب. ولا ذنب لهم سوى أنهم أبناء المعارضين بالحقيقة أو بالظن.

أما الأجنة، فهي تعرضت إلى مآسٍ وجرائم مروعة، ذكرنا بعضها في مقال سابق (قاتل الأجنة)، وهذه المرة نتحدث عمن نجا من القتل من هذه الأجنة، وكتب لهم أن يولدوا في السجون، والولادة في السجن مع ما فيها من مخاطر إلا أن بعض النسوة السجينات والمعتقلات يعدنها من علامات السلامة!! لأن كثيراً منهن أملصن بسبب الخوف، والترويع، أو الضرب المبرح، أو نتيجة عمليات الاغتصاب المتكررة، أو بسبب سوء التغذية، أو بسبب الصدمات النفسية.

أما من تنجو منهن من كل ذلك وتحافظ على حملها، تضطر للولادة في السجن، وهي بالتأكيد عملية شاقة مؤلمة، ولها آثارها النفسية المدمرة على المرأة السجينة. فلا رعاية صحية كافية، ولا خصوصية للمرأة النفساء، ولا سلامة مرجوة للطفل من داخل البيئة السجنية.

فكثير من ولادات السجون تموت، بسبب الظروف القاسية وانعدام الرعاية للطفل حديث الولادة، وما يحتاج من مستلزمات العيش من حليب، ورعاية صحية، ولقاحات، وتغذية من الأم أو من غيرها. وهنا تختم قصص مثل هذه الولادات.

أما الولادات التي تتجاوز هذه المحنة بقدرة ربانية، تبقى تعاني من مشاكل كبيرة ودقيقة وبجزئيات تفصيلية أكثر.

منها الأوراق الثبوتية، والنشأة، والتربية، والخوف، والتخويف، والتعذيب، والإبعاد، وقتل الأم بعد الولادة أو تنفيذ حكم الإعدام بها، فتبقى مثل هذه الولادات تعاني من المصير المجهول، مرة، بقتله بعد مقتل أمه، نتيجة دوافع افنائية وغريزة القتل الإجرامية لدى عناصر النظام، أو إخراج الطفل من داخل السجن وبيعه سواء في داخل العراق أو خارجه، أو البقاء مع السجينات داخل السجن من اللواتي يتبرعن بتبنيه، أو بتسليمه لذويه، إن كانت إدارة السجن تسمح بذلك!

فطريقة الولادة في سجون البعث، هي بالتأكيد انتهاك خطير، وطرق وأساليب إجرامية مضاعفة، ومستمرة، ومتكررة، تختلف بين سجن وآخر، وإدارة سجن وأخرى. بعض الحالات يسمح بنقل السجينة التي تعاني من ألم المخاض إلى المستشفى برفقة السجانين أنفسهم، وبحراسة مشددة منهم، حتى تتم عملية الولادة ويعاد بها إلى السجن مع مولودها، ولكن هناك حالات، وكما تذكر بعض الأمهات، يسلب منها ولدها، فحين وضعه يؤخذ منها ولا تعلم عنه شيئا بعدها. فتبقى هذه الأم بين الصراخ، والعويل، والبكاء حتى اليأس.

ومنهن من يلدن داخل السجون، والمعتقلات، ولم يتم الاستجابة لطلبهن ينقلهن للمستشفى، أو مطالبات رفيقاتهن في السجن. فتضطر واحدة منهن أن تكون قابلة فتُولّد من تعاني المخاض في السجن، وتسهل عليها عملية الوضع. ومنهن من لم يجدن من يساعدهن فيبقين يجابهن مخاطر الطلق بمفردهن أو بمساعدة السجانين، وهذا ما يشق على المرأة العفيفة ألما وأذى.

بعض الولادات تبقى المريضة من دون رعاية صحية فتموت، وبعض الولادات السليمة تبقى تجابه مع أمهاتهم المتهمات، أو المحكومات المصير المبهم.

فمن هذه الولادات نشأت داخل السجن وتربت بين السجينات، وكبرت إلى حد أعمار يتجاوز بها سن التمييز، وهي التاسعة الكاملة من العمر بحسب قانون العقوبات، أو تمام السابعة بحسب القانون المدني. يحرم فيها الطفل الوليد والناشئ من حقوقه المدنية، مثل: حق الحرية أولا، وحق التعليم ثانيا، وحق اللعب رابعاً، وحق العيش بين الأبوين خامساً، ومن حق معرفة المصير سادساً، ومن حق السؤال لماذا هو داخل السجن! وغيرها من حقوق الرفاهية التي يجب أن يتمتع بها هذا الطفل، والتي لا مجال للسؤال عنها بعد غياب حقوقه الأساسية.

وتروي امرأة قصتها، وهي كانت قد تعرضت لهذه المحنة كان يمنع على وليدها البكاء!! لأن بكاء الطفل كان يزعج سجانيه، فيأتون يصرخون بأمه والطفل ليخيفوه فيسكت !!

ومثل هذه المواقف لها آثرها النفسية المدمرة على الأطفال الصغار داخل السجون وخارجها إن سمح لهم بالعيش، وكتب لهم النجاة من بطش جلادي البعث.

ولا من شك بأن هذه الولادة وهذه النشأة، هي مخالفة لكل القوانين، والأعراف، والمنطق، والسلامة الذهنية.

كان البعث والبعث الصدامي لم يعبأ بكل القوانين، واللوائح الدولية، وحقوق الطفل المحلية منها والدولية، ولم يكترث لكل هذه النتائج الوخيمة التي بددت أجيال كاملة من الموت كأجنة أو كأطفال.

ومن الجدير بالذكر، إن ما تقدم كان يعني الحمل بأجنة ومواليد، يتبعون آبائهم قبل الاعتقال أو السجن، أما الحمل والولادات داخل السجن نتيجة عمليات الاعتداء الجنسي على المعتقلات، فهذا حديث آخر له آثاره ومشاعره المؤلمة على جميع من في المعتقل من النسوة، وعلى أهل المرأة، وعلى المرأة نفسها، وإن كان فيها الوليد يعاني من نفس الظروف والمعاناة.

الطبيعة القانونية للانتهاك:

  • على مستوى القوانين المحلية، اخترق النظام البعثي الدستور في موضع هذا الحق، وأخل بجميع الالتزامات الضامنة للحقوق المشرعة في حفظ كرامة الإنسان العراقي، وما جاءت به المادة 22 / أ.
  • تضمن قانون العمل العراقي المرقم في 71 لسنة 1987، رعاية للأطفال الأيتام، فكيف يرعى نظام حزب البعث أطفالاً أيتاماً تسبب بمقتل من يعيلهم، ويطالبهم بمبلغ الرصاصة التي قتل بها والدهم !
  • وعلى الرغم من مصادقة العراق على اتفاقية حقوق الطفل في عام 1994 التي ألزمت العراق باتخاذ كافة التدابير الراعية لحقوق الطفل وحمايته من التعنيف والإهمال والاستغلال، إلا أن النظام البعثي لم يراع هذه الحقوق، وتسبب بموت الآلاف من الأطفال في داخل السجون وخارجها نتيجة الإهمال، والقتل، والحصار، والتهجير.
  • أخل النظام البعثي بجميع قواعد إدارة السجون والحقوق المفترض مراعاتها داخل السجون ومنها حالات الولادة في السجون. في كثير من المناسبات التي تعامل معها بوحشية، مثل: الأنفال، وترحيل التبعية، والانتفاضة الشعبانية، ونساء من عوائل متهمة بتهم سياسية عديدة، كان تعامل البعث معها خارج كل السياقات القانونية والأنظمة النافذة والتشريعات المقرة لضمان حقوق المرأة الحامل ورعايتها داخل المؤسسات السجنية. مثل: قانون المؤسسة العامة للإصلاح الاجتماعي رقم 104 لسنة 1981، وفي سنة التشريع نفسها ارتكب العشرات من الخروقات القانونية لهذا الحق المرعي على مستوى التشريع القانوني. وكذلك قانون 22 لسنة 2002، فضلاً عن قانون أصول المحاكمات الجنائية العراقية النافذ.