يُعد مبدأ عدم رجعية القوانين إلى الماضي من أبرز الأسس العامة للقانون، ويعني أنّه متى أُقر العمل بأحكام قانون جديد، فإن أحكامه تصبح سارية من يوم نفاذه، ويسري هذا المبدأ على القوانین الموضوعیة التي تحدد الجرائم والعقوبات، وتُبین عناصر المسؤولية الجنائية، وما یُخفف من هذه المسؤولیة، أو ما یشددھا، وأسباب الإباحة، وموانع العقاب، وهذا المبدأ يتصل بأهم ركائز القانون ومبادئه الأساسية، وهو مبدأ (لا جريمة، ولا عقوبة، إلا بنص) بحسب ما نصت عليه: الفقرة أولا، من الفصل الأول من المبادئ العامة لقانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام (1969)م.
أما أساس مبدأ عدم الرجعية فهو نتيجة حتمية لمبدأ قانونية الجرائم، والعقوبات؛ لأن القول بخلاف ذلك، أي سريانه على الأفعال السابقة له، يعني مخالفة لمبدأ الشرعية، لكن ھناك قوانين موضوعية تخضع لمبدأ رجعیة القانون إلى الماضي، ھي القوانين المفسرة التي تفسر قانون سابق، والقانون الأصلح للمتھم، أي: القانون الذي ینشئ للمتھم مركزاً، أو وضعاً، یكون أصلح له من القانون القدیم.
لقد مهّد نظام البعث في نيسان (1980) م، بإجراءات استند عليها لعمليات الإبادة الجماعية ضد أعضاء الحركات الإسلامية، فقد أصدر هذا النظام قراراً غريباً من نوعه، يتمتع بقوة القانون يقضي بالإعدام شنقاً لكل منتسبي حزب الدعوة الإسلامية، والمتعاونين معه، وكل من سهّل مهمته، أو روّج لأفكاره، كالعاملين في مؤسساته الثقافية والفكرية، وكل من يعمل معه من قريب، أو بعيد، وتكون عقوبة الإعدام بأثر رجعي، بحسب أحكام المادة (156) / أولاً من قانون العقوبات العراقي، والقرار منشور في جريدة الوقائع العراقية العدد (٢٧٦٩) الصادر في 21/4/1980م.
وبمراجعة سريعة لشرعية هذا القرار الذي أصدرته حكومة البعث، سيظهر جلياً أنّ هذا القرار لا ينطبق والمعايير المحلية والدولية، فضلاً عن كونه يخالف بنود الدستور المؤقت الذي أعلنه النظام عام (1968)م، الذي نص في الباب الخامس/ المادة (90) على: سريان أحكام القوانين من تاريخ العمل بها، ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها، وأن هذا القرار يتعارض وبنود دستور (1970)م الذي نص في المادة (21)/ ب : لا تجوز العقوبة إلا على الفعل الذي يعدّها القانون جريمة في أثناء ارتكابه، وأشار دستور (1970)م أيضاً، وبشكل صريح في الباب الخامس، المادة (68) / ب: ليس للقوانين أثر رجعي.
ووفقاً للمعايير الدولية فإن القانون الدولي يقرّ بعدم رجعية القوانين الجنائية إلى الماضي بوصفه ضمانة قضائية أساسية بحسب (المادة 15) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وأن هذا المبدأ يوجد بشكل ضمني في اتفاقيات جنيف التي تنص على عدم جواز محاكمة شخص على عمل، أو تقصير، لا يشكل جرماً جنائيًاً بموجب القانون الوطني، أو الدولي الذي كان يخضع له في وقت ارتكاب العمل، بحسب المادة (99) من اتفاقيّة جنيف الثالثة، والمادتين (65 و67) من اتفاقيّة جنيف الرابعة، والمادة (75) من البروتوكول الأول، والمادة السادسة من البروتوكول الثاني.
ويظهر هذا المبدأ في قانون المحكمة الجنائية الدولية الذي تم تبنيه عام (1998) م، ودخل حيّز التنفيذ في الأول من تموز (2002) م، وفقاً للمادة (11) من قانون المحكمة الجنائية الدولية، التي تنص على أن للمحكمة سلطة اختصاص للنظر فقط في الجرائم التي ارتكبت بعد دخول قانونها حيّز التنفيذ بالنسبة للدولة المعنية.
والجدير بالذكر أن القرار المذكور جاء متأخراً كثيراً عن حالات التنفيذ، أو التطبيق الفعلي؛ لأن التصفيات التي طالت صفوف الإسلاميين، وأعضاء حزب الدعوة، بدأت منذ العام (1972)، وأن المدة من حزيران (1979)، وحتى آذار (1980)، شهدت إعدام مئات الإسلاميين، بينهم أعداد كبيرة من الكوادر المتقدمة للحزب.