banarlogo

مجزرة سبايكر في المواقع الخبرية باللغة الإنجليزية

د. قيس ناصر

 

   في حزيران 2014م، تصدر المواقع الخبرية العالمية خبر تغريدة (أعدمنا 1700 شيعي) التي غردت بها مواقع التنظيمات الإرهابية، وهو الرقم الذي لا يزال متداولاً إلى اليوم، في إشارة إلى ارتكاب مجزرة تكريت بحق (2157) ضحية في قاعدة سبايكر الجوية، وهذا العدد على وفق آخر إحصائية للمركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف الذي صدرت عنه الموسوعة الوثائقية لمجزرة سبايكر. واللافت أنَّ خبر الجريمة قد اهتمت بنشره مواقع أجنبية، واعتمدت في تحريره صوراً تم نشرها على منصة تويتر-X حالياً-، أما المواقع المحلية، فلم تشر إلى أية تفاصيل عن خبر المجزرة إلا بعد مرور وقت ليس بالقصير، من ثم بدأت عملية تأكيدها، وهذا الأمر مرتبط بأسباب عدة في ذلك الوقت.
   إن السؤال المركزي الذي تحرك المقال للإجابة عنه، هو: كيف غطت المواقع الخبرية باللغة الإنجليزية مجزرة سبايكر؟ أما السؤال الفرعي، ما الموضوعات التي ركزت عليها تلك المواقع ؟ وفي هذا السياق ينبغي ملاحظة، أنَّ صحافة الحرب ـ عادة ـ ما تُركز على نتائج العنف، بشكل عام، ولا تهتم إلا بشكل قليل بأسبابه، ولهذا تم اعتماد تحليل المضمون لعينة من الأخبار المتداولة في المواقع الخبرية، والمفاهيم المستعملة، وخبر ارتكاب المجزرة وتطوراته على وفق المراحل الآتية:

 

المرحلة الأولى/ نشر الصور:
   أدرك الإرهابيون أثر نشر صور المجزرة، التي تتعدى بكثير مجرد الحقد والإجرام، فقد استغلوا الزمن الواقعي للصور، وعملوا على بثها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. فالصورة لها درجة كبيرة من اللبس؛ لأنها في الوقت الذي تُعظم فيه الحدث، تؤدي أثر التكثير والتهويل إلى ما لا نهاية، على وفق رأي أحد المختصين.
   في تاريخ 15/06/2014م، بدأت المرحلة الأولى من نشر خبر المجزرة من خلال نشر صور ارتكابها، وتم تغطيتها بشكل كبير من وسائل الإعلام العالمية، وكان من ضمن العناوين الإخبارية: (مسلحو داعش ينشرون صوراً تُظهر مجزرة لجنود عراقيين)، وفي عنوان آخر: (الإعدامات المزعومة في العراق تُذكر بالقتل الطائفي الجماعي)، أو مزاعم تنفيذ مجزرة تهز العراق كما جاء في موقع نيويورك تايمز.
   فالجميع كان غير متأكد من معرفة مدى صحة الصور والأخبار المتداولة عن المجزرة، واعتمد مرتكبو الجريمة الترويج لخبر أنَّ الضحايا من المسلمين الشيعة، وبعض المواقع الخبرية بدأت تنشر خبر ارتكاب الجريمة بالاعتماد على سلسلة من التغريدات، والصور المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بالتنظيم الإرهابي، وأشار أحد التقارير حينها، إذا ثبتت المجزرة، فستكون أكبر عملية قتل جماعي في حرب التنظيم الإرهابي الذي يمتد بين سوريا والعراق، وقد تكون العملية مصمّمة لتأجيج التوترات من أجل حدوث حرب طائفية، قد تنتهي بإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. وهذا هو مضمون أحد الأخبار الذي تشابه في محتواه مع تقارير أخرى.
   وفي يوم 16/06/2014م، بدأت تظهر تحليلات فيها نوع من التفصيل عن وصف المجزرة التي ارتكبت بحقّ الضحايا، فضلاً عن ظهور تحليلات لها، مثل: ما الذي سيجنيه (داعش) من التغريد بصور المجزرة؟ وقد ذكر محرر الخبر أنَّ الإرهابيين استعملوا الصور في هذه الحملة للقيام بأمرين: ترهيب العراقيين الذين قد يعارضونهم، هذا من جانب، ومن جانب آخر، كسب المؤيدين في معركتهم. وعلى رأي محرر أحد الأخبار (Matt Brown) وإذا تمّ تأكيد المجزرة فسيكون أسوأ عمل وحشي منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق سنة 2003م، مما يزيد من احتمالية اندلاع حرب طائفية واسعة في العراق.
   ومن الواضح أن جميع التوقعات كانت سائرة باتجاه حدوث حرب طائفية، سعى إليها التنظيم الإرهابي، إلا أنَّ ذلك لم يحدث، بفضل جهود المرجعية الدينية العليا، وحرصها على حفظ دماء العراقيين من خلال فتوى الدفاع المقدّس، التي كانت بوابة لصناعة السلام في العراق.

 

المرحلة الثانية/ قصص الضحايا وذويهم
   بعد أن ثبت ارتكاب الإرهابيين لمجزرة سبايكر، بدأت مرحلة ثانية من تغطيتها في المواقع الخبرية باللغة الإنجليزية، تقريباً في شهر آب 2014م، وهي مرحلة اللقاء مع ذوي الضحايا والناجين من المجزرة، إذ ظهرت لقاءات عدة مع الناجين من المجزرة، ومع ذوي الضحايا، وعملت بعض التقارير الإخبارية على تغطيتها، وهي لقاءات أسهمت في تشكيل صورة لدى المتلقي عما واجهه الضحايا، وكيفية حدوث المجزرة، وطبيعتها.

 

المرحلة الثالثة/ نقل خبر استذكار مجزرة سبايكر
   مثّلت لحظة تحرير تكريت في نيسان 2015م، انتصاراً للشعب العراقي على التنظيمات الإرهابية، إلا أنَّها كانت تُمثل استعادة لأكثر مظاهر القسوة والحقد التي تباهى بها الإرهابيون وهي مجزرة سبايكر. لقد أشارت التقارير الإخبارية إلى اكتشاف مقابر جماعية، وهناك رأي لصحفي ألماني ورد في تقرير لمنظمة هيومان رايتس، يقول فيه: “حين أرى صوراً لصف يبدو وكأنه لا ينتهي من الرجال العراقيين المساقين إلى حتفهم، فإن هذا يذكرني، بوصفي ألمانياً، بفظاعة معسكرات الموت النازية. ومع ذلك على وفق موقع ((Iraqi Thoughts، أظهرت الأغلبية الشيعية في العراق ضبطاً للنفس مثيراً للإعجاب أثناء مواجهة هذا الهجوم الإرهابي الشرس والتجاوزات اللاأخلاقية التي جلبتها معه.
   وبعد مرور سنة على أحداث حزيران 2014م، تناولت بعض المواقع الخبرية استذكار المجزرة، التي استغرق العالم شهوراً لمعرفة تفاصيلها، وملاحظتها أولاً، من ثم فهمها، وإن نشر الإرهابيين للصور فقط من دون إضافة تحرير خبري لتفاصيلها ترك فراغاً لوكالات الأخبار العالمية، عبر الاستعانة بشهود عيان، مما سبب إرباكاً؛ لأنه أوحى للمتلقي أنَّ قاعدة سبايكر قد أحتلها الإرهابيون، وهذا لم يحدث.

 

المرحلة الرابعة تغطية محاكمة مرتكبي الجريمة:
   بعد أربعة أيام من إصدار أحكام على بعض المتهمين بارتكاب جريمة سبايكر، إذ حُكم فيها على (24) متهماً بالإعدام، نشر التنظيم الإرهابي مقطع فيديو بلغت مدته (22) دقيقة؛ لمشاهد تنفيذ الجريمة، بعضها لم ينشرها من قبل، مما وفر مزيداً من الأدلة. واستمرت التغطية الخبرية لمحاكمات أخرى للمتهمين الذين أُلقي القبض عليهم في أوقات مختلفة، سواء الذين تم الحكم عليهم بالإعدام، أو الذين تم الإفراج عنهم؛ لعدم كفاية الأدلة. ولم تكن عمليات إلقاء القبض على المتهمين بارتكاب الجريمة في داخل العراق فحسب، بل شملت أيضا خارج العراق، إذ تضمنت تقارير إخبارية عدة احتجاز لاجئين عراقيين في دول الاتحاد الأوربي، مثل: فلندا، وفرنسا كانوا متهمين في ارتكاب مجزرة سبايكر، ولم تغب عن المواقع الخبرية تغطية خبر (أم قصي) التي استجابت هي وآخرون في مدينتها ناحية العلم، ومدن أُخرى لمساعدة الناجين.
   ختاماً، إنَّ الفكرة الرئيسة التي ينبغي تأكيدها دائماً، هي القول إنّ عملية توثيق جرائم التطرف تُعد جُهدا ًمركبا ً يهدف إلى عملية تعزيز الوعي، وكشف الحقائق من جانب، وإنصاف الضحايا وتحقيق العدالة من جانب آخر. وهذا الأمر، الذي كان يُحرك هدف المقال؛ لأن مجزرة سبايكر وكلّ المجازر التي ارتكبتها الجماعات الإرهابية، ينبغي أن تُستذكر دائماً، من أجل أن تكون درساً لكل العراقيين، وتأكيداً للقول إن سيادة خطاب الكراهية، وإقصاء الآخر، سيؤدي إلى قتل الأبرياء، والتهجير القسري، والنزوح، وسبي النساء.