مراجعة لكتاب دولة خلافة داعش بين النظرية والتجربة
د. قيس ناصر
لا يكاد نتاج أي باحث معاصر مهتم بدراسة التنظيمات الإرهابية أنْ يتجاوز دراسة تنظيم داعش الإرهابي وتأسيسه لكيانه المزعوم الذي أطلق عليه هو تسمية (دولة)، التي بدورها لم تمتلك أية مقومات سواءٌ أكانت في النظرية أم الممارسة، كما أثبتّها كتاب دولة خلافة داعش بين النظرية والتجربة لمؤلفه الدكتور عبدالله أحمد قصير، الذي صدر عن المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف، التابع إلى قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة.
لا يخفى على أي متابع العدد الكبير من الدراسات التي قُدمت لفهم تنظيم داعش الإرهابي مقارنة بالتنظيمات الإرهابية الأُخرى، إلا إنَّ قراءة هذا الكتاب تمنح القارئ معرفة إضافية عن الموضوع، وذلك لسببين: الأول/ أنَّ أغلب الدراسات التي صدرت عن تنظيم داعش الارهابي إما اهتمت بفهم مرتكزاته الفكرية أو تحليل ممارساته، لكن كتاب دولة خلافة داعش بين النظرية والتجربة جمع بين تحليل المرتكز الفكري وتمثّلاته في الممارسة، أما السبب الثاني/ أن مؤلفه له من الثقافة الإسلامية والاطلاع الفكري الكافي، اللذين مكناه من دراسة الشبهات وأحكام الضلال التي عمل بها التنظيم الإرهابي منذ إعلانه الأول عن دولته المزعومة على يد أبو عمر البغدادي سنة 2006م (الدولة الاسلامية في العراق)، فضلاً عن ارتكاز المؤلف إلى أسس ثقافية (فلسفية، واجتماعية، وقانونية، وغيرها) ساعدته على استعراض تجربة تنظيم داعش الإرهابي في تأسيسه لكيانه (دولة الخلافة).
إنَّ فرضية الكتاب استندت إلى القول بوجود التباسات وتناقضات وفجوات بين التجربة والنظرية، ومن ثمَّ عدم امتلاك التجربة لمقومات الاستمرار والبقاء في ظل ما واجهته من تحديات داخلية على مستوى البيئة الشعبية، وخارجها على المستويات السياسية والأمنية والعسكرية، فضلاً عن وجود الكثير من الفجوات في ضمن المنظومة الفكرية السلفية والتي أُريد اسقاطها من التاريخ على الحاضر من دون أية مراجعات أو تغيير في الأساليب، مما دعا المؤلف إلى دراسة مرتكزات الفكر التكفيري عند داعش ومرجعياته العقدية، والعوامل، والظروف السياسية، والاجتماعية المساهمة في نشأته، مما أضاف أهمية للكتاب ليس لفهم تنظيم داعش فحسب، إنّما لفهم خارطة التنظيمات الإرهابية ومرجعياتها الفكرية.
إنَّ هذا الكتاب ليس أرخنة لتنظيم داعش الإرهابي بقدر ما هو إجابة عن أسئلة مركزية تدور في ذهن أي مهتم بدراسة التنظيمات الإرهابية، أسئلة يمكن وصفها بالإشكالية التي حركت موضوع الكتاب، مثل: إلى أي حد استطاعت دولة الخلافة الاسلامية (داعش) أنْ تُقدم نموذجاً يعكس قدراً من الانسجام بين النظرية والتجربة؟ وما حقيقة دولة الخلافة الاسلامية؟ وما منطلقاتها الدينية والأيديولوجية؟ وما علاقتها بالتيارات السلفية والجهادية؟ هل انطبق ما أُعلن عنه كدولة للخلافة عند داعش مع مفهوم الدولة والخلافة في نظريات الحكم والإدارة في الإسلام؟ هل استند التنظير الإرهابي في ممارسته العملية إلى اجتهادات فقهية محددة وواضحة في الفقه السلفي؟ وما مساحة تلك الاجتهادات؟ ما المؤسسات التي أنشأها كيان داعش الارهابي؟ كيف تكوّن مجتمع داعش الارهابي؟ وما عناصر تكوينه؟ وكيف يمكن قراءته سوسيولوجياً؟ كيف يفهم تنظيم داعش في ضمن القانون الدولي؟
يلحظ القارئ للكتاب إنَّ الباحث اقترب من الالتزام بالموضوعية في دراسته بعيداً عن التحيز سواء بالضد من التنظيم الارهابي أو بالاتفاق معه، ومن جملة الصور التي تم تشكيلها عن الموضوع من خلال مراجعة الكتاب، هي:
- من الناحية الشرعية، إنَّ مشروع تنظيم داعش الإرهابي بقيام الخلافة الإسلامية على منهج النبوة لم يجد له في الواقع مصداقية شرعية.
- إنَّ تجربة داعش قد كشفت الصراعات الداخلية للمرجعيات السلفية الجهادية وتشظيها.
- جميع المؤسسات والخدمات التي قدمها كيان داعش الارهابي لم تستطع أنْ تُشكل بديلاً عن المؤسسات الرسمية.
- قد سببت مجموعة التشريعات والقوانين التي فرضها التنظيم الارهابي نفوراً عن تأييدها وخسارة للحاضنة الشعبية.
- إنَّ الخلافات بين التنظيمات الإرهابية، مثل: داعش والقاعدة ومختلف التنظيمات الأُخرى لم تكن نتيجة الخلاف العقدي أو الديني إنَّما كانت صراعاً على النفوذ واحتكار المرجعية الدينية والسياسية معاً.
وعلى وفق المراجعة العمودية للكتاب، المتمثلة بمراجعة فصول الكتاب، الذي تضمن ستة فصول، هي:
الفصل الأول الذي تضمن التأسيس النظري والتاريخي للدولة والخلافة، مع ملاحظة إنَّ منظري القاعدة وداعش لا يطرحون رؤية تفصيلية حول الدولة المنشودة للخلافة، بقدر ما نظروا لها كهدف للتمكين والحكم عبر استغلال الشريعة، ومن ثمَّ فإنَّهم قد ذهبوا للبحث في تنظيرات استراتيجية حول كيفية الوصول إلى تحقيق هذا المشروع.
أما الفصل الثاني فقد ناقش السلفية الجهادية وتمثلاتها في القاعدة وداعش. والفصل الثالث تضمن مناقشة موضوع كيان داعش الإرهابي ودولته من حيث التأسيس والهيكلية والمؤسسات وآليات الحكم، ومن الجدير بالذكر إنَّ تنظيم داعش الإرهابي قد رفض الدولة نظرياً، وفي الوقت نفسه عمل في ضمن آلياتها وبعض مسمياتها، فضلاً عن استخدام أدواتها، لاسيما التكنولوجية واللوجستية، وقد تضمن هذا الفصل أرشفة مهمة لمراحل تطور ونشأة دولة داعش (المزعومة) التي أرجعها المؤلف إلى أربعة مراحل:
المرحلة الأولى (2003-2006م) وكانت بزعامة الزرقاوي.
المرحلة الثانية (2007-2010م) وكانت بزعامة أبو عمر البغدادي، وأُعلنت حينها دولة العراق الاسلامية في 15/1/2007م.
المرحلة الثالثة ( 2010-2014م)، وهي بعد تسلم أبو بكر البغدادي لزعامة التنظيم.
المرحلة الرابعة، بعد حزيران 2014م وهو تاريخ احتلال الموصل وإعلان الخلافة.
وفي الفصل الرابع، درس المؤلف سوسيولوجيا مجتمع داعش، وقدم فيه مقاربة سوسيولوجية لمرتكزات التنظيم الإرهابي، المتمثلة بـ: الإعلام والدعاية وهو المرتكز الذي تمكن منه التنظيم لا سيما بعد احتلال الموصل، والاستقطاب والتجنيد، والتربية والتعليم (المناهج الدراسية وغيرها)، فضلاً عن مكانة المرأة وأدوارها الإرهابية. وناقش في الفصل الخامس الإشكاليات والتحديات التي واجهها التنظيم، التي من أبرزها اختلاف المرجعيات داخل السلفية الوهابية الجهادية، وغياب وحدة المرجعية القادرة على حسم الاختلافات وتوحيد التوجهات لتشكيل شرعية داعش في ضمن واقع يشير إلى تخبط التنظير وغياب الجانب المعرفي الذي كشف اختلال وإرباك الأداء اتساقاً مع غياب الشرعية والمشروعية لمواقف وممارسات هذا الكيان، مما أدى إلى الانشغال بالصدامات والتوترات فيما بينهم من جانب، ومع منظري السلفية الجهادية الوهابية من جانب آخر.
أما الفصل السادس، فقد تضمن دراسة علاقة داعش مع الخارج الذي قصد به المؤلف كل ماعدا داعش من القريب أو البعيد، مع تأكيد القول إن الآخر عند داعش هو كل من لم ينخرط في مشروعهم ولا يعطيهم الولاء والبيعة سواءٌ أكان مسلماً (مرتداً) أم كافراً، والآخر هنا يشمل الأفراد والجماعات والدول والتنظيمات على حد سواء. كذلك اهتم المؤلف في هذا الفصل بدراسة موضوع علاقة داعش والقانون الدولي، وإشكالية هذا المحور ليس في انتهاك داعش لمبادئ الشرعية الدولية، إنّما الأصل هو انكاره لمشروعية مبادئ القانون الدولي، وطبيعة ذلك ليست مرتبطة ببحث العلاقة بين دولة ما مع المجتمع الدولي، فداعش ليس دولة إنَّما هو تنظيم إرهابي احتل مجموعة من المناطق وفق جغرافية دار السلام ودار الكفر وشكل كياناً له سماه دولة.
لم يتح المجال المحدد في بضع كلمات إلّا تقديم مخطط عام لكتاب قد تجاوزت صفحاته (600 صفحة)، ورجع فيه مؤلفه إلى ما يقارب (370) مصدراً متنوعاً، من دون الدخول في تفصيلات الكتاب التي تُركت للقارئ.