banarlogo

الإبادة الجماعية في رواندا – الدروس والعبر

الإبادة الجماعية في رواندا

الدروس والعبر

د. محمد جبار الكَريزي

إنَّ الاطلاع على التجارب الدولية له أهمية في توثيق جرائم التطرف، وفي هذا المجال، من الممكن استثمار برامج توثيق جرائم الإبادة الجماعية في راوندا وتطبيقها على الحالة العراقية من جرائم التطرف والإبادة الجماعية سواءٌ حصلت أبان النظام البائد أم مع جرائم تنظيم داعش الإرهابي، مثل توثيق مراحل جريمة سبايكر التي حدثت بها الأحداث وكذلك توثيق حياة الناجين أو أهالي ضحايا النظام البائد وداعش وجعلهم يتحدثون عن حياتهم اليومية وآمالهم وأحلامهم وذكرياتهم كجزء من مشروع “رؤى ضحايا التطرف”.

في ٧ نيسان عام ١٩٩٤م حصلت الإبادة الجماعية في راوندا، ثلاثون عاماً مرت على هذه الفترة المظلمة في تاريخ إفريقيا والتي قامت بها مجموعة الهوتو ذات الأغلبية ضد جماعة التوتسي ذات الأقلية.

وتشير المعلومات الرسمية الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أنه لقي ما يقارب مليون شخص حتفهم وتم اغتصاب ما يصل إلى (250.000 امرأة)، خلال الإبادة الجماعية ضد التوتسي، مما سبب صدمة للعالم وسكان البلاد ودمرت البنية التحتية بصورة هائلة، ومنذ ذلك الحين شرعت رواندا في عملية طموحة لتحقيق العدالة والمصالحة لكي يعيش جميع الروانديين جنباً إلى جنب في سلام مرة أخرى.

وتعرف الإبادة الجماعية في (اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948 والمعاقبة عليها)، والمعروفة باسم “اتفاقية الإبادة الجماعية” بأنها: ” أي من الأفعال التالية المرتكبة بنية تدمير، وطني، أو جزئي، أو عرقي، أو عنصري، أو جماعة دينية:

  1. قتل أعضاء المجموعة.
  2. إلحاق ضرر جسدي أو عقلي خطير بأفراد المجموعة.
  3. إلحاق المجموعة عمداً بظروف الحياة المحسوبة لإحداث تدمير مادي كليًا أو جزئيًا.
  4. فرض تدابير تهدف إلى منع الولادات داخل المجموعة.
  5. نقل أطفال المجموعة بالقوة إلى مجموعة أخرى.

وتؤكد الاتفاقية أن الإبادة الجماعية، سواء أُرتكبت في زمن السلم أم الحرب، تعد جريمة بموجب القانون الدولي، وتتعهد أطراف الاتفاقية “بمنعها والمعاقبة عليها”، وتقع المسؤولية الرئيسة عن منع الإبادة الجماعية ووقفها على عاتق الدولة التي ارتكبت فيها هذه الجريمة.

وجاءت العدالة بعد الإبادة الجماعية في السنوات التي تلت الإبادة الجماعية، إذ تم اعتقال أكثر من 120،000 شخص واتهموا بتحمل المسؤولية الجنائية عن مشاركتهم في عمليات القتل. للتعامل مع هذا العدد الهائل من الجناة، وتم متابعة الرد القضائي على ثلاثة مستويات:

  1. المحكمة الجنائية الدولية لرواندا.
  2. نظام المحاكم الوطنية.
  3. محاكم جاكاكا.

 

  1. المحكمة الجنائية الدولية لرواندا:

أنشأ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المحكمة الجنائية الدولية لرواندا (ICTR) في 8 تشرين الثاني 1994م، وأُغلقت رسمياً في 31 كانون الأول 2015م. وكانت للمحكمة ولاية لمحاكمة الأشخاص الذين يتحملون مسؤولية كبيرة عن الإبادة الجماعية وغيرها من الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي.

وبدأت المحاكمة الأولى في كانون الثاني 1997م، وبحلول كانون الأول 2012م، أكملت المحكمة مرحلة المحاكمة من ولايتها. وخلال عقدين من العمل في أروشا، وتنزانيا، قد حكمت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا على 61 شخصًا بالسجن المؤبد لدورهم في المذابح، وتمت تبرئة 14 متهماً وإحالة 10 آخرين إلى المحاكم الوطنية، وعقدت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا 5800 يومًا من الإجراءات، واتهمت 93 شخصًا، وأصدرت 55 حكمًا أوليًا و45 حكمًا بالاستئناف، واستمعت إلى “روايات قوية لأكثر من 3000 شاهد عمدوا بشجاعة إلى سرد بعض الأحداث الأكثر صدمة التي يمكن تخيلها خلال محاكمات المحكمة الجنائية الدولية لرواندا.

تولت آلية المحاكم الجنائية الدولية (MICT)، التي أنشأها مجلس الأمن في كانون الأول 2010م، المهام المتبقية للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا – والمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة (ICTY). وقد أدت الآلية المعتمدة دورًا أساسيًا في ضمان ألّا يؤدي إغلاق المحكمة الجنائية الدولية لرواندا إلى ترك الباب مفتوحًا أمام إفلات الهاربين المتبقين من العقاب. وبدأ فرع المحكمة الجنائية الدولية لرواندا العمل في الآلية بتاريخ 1 حزيران 2012م.

وأصدرت المحكمة عدة أحكام تاريخية، منها: في أول حكم صادر عن محكمة دولية بشأن الإبادة الجماعية، أدين رئيس البلدية السابق، جان بول أكايسو، في عام 1998م بتسع تهم تتعلق بالإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية، وكان الحكم أيضًا أول من خلص إلى أن الاغتصاب والاعتداء الجنسي يشكلان أفعال إبادة جماعية بقدر ما يرتكبان بنية تدمير مجموعة مستهدفة كليًا أو جزئيًا.

كانت إدانة رئيس الوزراء أثناء الإبادة الجماعية، جان كامباندا، بالسجن المؤبد في عام 1998م هي المرة الأولى التي يُدان فيها رئيس حكومة بتهمة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، وكانت (القضية الإعلامية) للمحكمة في عام 2003م أول حكم منذ إدانة يوليوس سترايشر في نورمبرغ بعد الحرب العالمية الثانية لدراسة دور وسائل الإعلام في سياق العدالة الجنائية الدولية.

  1. نظام المحاكم الوطنية لرواندا:

تحاكم المتهمين بالتخطيط للإبادة الجماعية أو بارتكاب فظائع خطيرة، بما في ذلك الاغتصاب، وبحلول منتصف عام 2006م، كانت المحاكم الوطنية قد حاكمت حوالي 10,000 من المشتبه في ارتكابهم جرائم الإبادة الجماعية. وفي عام 2007م، ألغت الحكومة الرواندية عقوبة الإعدام، التي كانت قد نفذت آخر مرة في عام 1998م حينما أُعدم 22 شخصًا أدينوا بارتكاب جرائم تتعلق بالإبادة الجماعية، وأزال هذا التطور عقبة رئيسة أمام نقل قضايا الإبادة الجماعية من المحكمة الجنائية الدولية لرواندا إلى المحاكم الوطنية، حيث تقترب المحكمة الجنائية الدولية لرواندا من نهايتها.

  1. نظام محاكم جاكاكا:

 جاء لمعالجة حقيقة إن آلاف المتهمين ما زالوا ينتظرون المحاكمة في نظام المحاكم الوطني، ولتحقيق العدالة والمصالحة على المستوى الشعبي، أعادت الحكومة الرواندية في عام 2005م إنشاء نظام المحاكم المجتمعية التقليدية المسمى.(“Gacaca” GA-CHA-CHA)

وانتخبت المجتمعات على المستوى المحلي قضاة للاستماع إلى محاكمات المشتبه في ارتكابهم جرائم الإبادة الجماعية المتهمين بجميع الجرائم باستثناء التخطيط للإبادة الجماعية. وأصدرت المحاكم عقوبات أقل إذا كان الشخص تائبًا وسعى إلى المصالحة مع المجتمع. وعملت محاكمات جاكاكا أيضًا على تعزيز المصالحة من خلال توفير وسيلة للضحايا لمعرفة حقيقة وفاة أفراد أسرهم وأقاربهم، كما أعطوا الجناة الفرصة للاعتراف بجرائمهم، وإبداء الندم وطلب العفو أمام مجتمعهم، وتم إغلاق محاكم Gacaca رسميًا في 4 آيار 2012م.

أما الوحدة والمصالحة في رواندا، فقد ركزت عملية المصالحة على إعادة بناء الهوية الرواندية، وكذلك تحقيق التوازن بين العدالة والحقيقة والسلام والأمن، ونص الدستور الراوندي على أنَّ جميع الروانديين لهم حقوق متساوية، وصدرت قوانين لمحاربة التمييز وإيديولوجية الإبادة الجماعية المثيرة للانقسام، وتقع المسؤولية الأساسية عن جهود المصالحة في رواندا على عاتق اللجنة الوطنية للوحدة والمصالحة، التي أنشئت في عام 1999م والتي تستخدم المناهج الاتية:

  • إنغاندو: برنامج لتعليم السلام من عام 1999م إلى عام 2009م ، وقد شارك أكثر من 90,000 رواندي في هذ البرنامج، الذي هدف إلى توضيح تاريخ رواندا وأصول الانقسام بين السكان، وتعزيز الوطنية ومحاربة أيديولوجية الإبادة الجماعية.
  • Itorero: تأسس برنامج Itorero في عام 2007م، وهو أكاديمية للقيادة لتعزيز القيم الرواندية وتنمية القادة الذين يسعون جاهدين لتنمية المجتمع، من 2007 إلى 2009م، وشارك 115228 مشاركًا في برنامج Itorero.
  • الحلقات الدراسية:تدريب قادة القواعد الشعبية وقادة الأحزاب السياسية والشباب والنساء على تقديم المشورة بشأن الصدمات وتخفيف حدة النزاعات وحلها ونظم الإنذار المبكر.
  • القمم الوطنية: منذ عام 2000م، تم تنظيم العديد من القمم الوطنية حول مواضيع تتعلق بالعدالة والحكم الرشيد وحقوق الإنسان والأمن القومي والتاريخ الوطني.
  • البحث: نشرت اللجنة الوطنية للوحدة والمصالحة عددًا من الدراسات التي تبحث في أسباب النزاعات في رواندا وكيفية تخفيفها وحلها.

والإبادة الجماعية، ليست شيئا يحدث بين عشية وضحاها أو دون سابق إنذار، إنَّما تتطلب تنظيماً، وتشكل في الواقع استراتيجية مدروسة وتنفذ في الغالب بواسطة حكومات أو مجموعات تسيطر على جهاز الدولة. وإنَّ فهم طريقة حدوث الإبادة الجماعية والتعرف على العلامات التي يمكن أن تؤدي إلى الإبادة الجماعية أمران مهمان في التأكد من أن مثل هذه الفظائع لا تحدث مرة أخرى.

في 7 نيسان 2004م، وفي الذكرى السنوية العاشرة للإبادة الجماعية ضد التوتسي في رواندا، قد أوضح الأمين العام للأمم المتحدة (كوفي عنان) خطة عمل من خمس نقاط لمنع الإبادة الجماعية:

  1. منع النزاع المسلح، الذي يوفر عادة سياق الإبادة الجماعية.
  2. حماية المدنيين في النزاعات المسلحة، بما في ذلك من خلال قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
  3. وضع حد للإفلات من العقاب من خلال الإجراءات القضائية في المحاكم الوطنية والدولية.
  4. جمع المعلومات وإنشاء نظام للإنذار المبكر. 
  5. اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة، بما في ذلك العمل العسكري.

وفي عام 2004م، عين الأمين العام للأمم المتحدة أول مستشار خاص لمنع الإبادة الجماعية، وهو المسؤول عن:

  • جمع المعلومات عن الانتهاكات الجسيمة والخطيرة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.
  • العمل كآلية للإنذار المبكر للأمين العام، ومن خلاله إلى مجلس الأمن.
  • تقديم توصيات إلى مجلس الأمن، من خلال الأمين العام، بشأن الإجراءات الرامية إلى منع الإبادة الجماعية أو وقفها.
  • الاتصال بمنظومة الأمم المتحدة بشأن أنشطة منع الإبادة الجماعية.

وختاماً يمكن الإفادة من التجربة الرواندية في توثيق جرائم التطرف، فضلاً عن تسمية يوم وطني لجرائم التطرف في العراق، يستذكر به العراقيون ضحايا الإرهاب والتطرف، وإعداد الدراسات والبحوث والتي توثق جرائم النظام البائد وداعش الإرهابية، وإنشاء برامج لبناء السلام والتي تهدف إلى توضيح تاريخ العراق، وتعزيز الهوية الوطنية ومحاربة أيديولوجية الإبادة الجماعية من أجل تفادي وقوعها مرة أخرى.

فضلاً عن العمل على رفع الوعي العام أزاء مؤشرات التطرف والتي تبث من بعض الجماعات من داخل العراق وخارجه بغطاء ديني أو سياسي ممنهج. والإفادة من القرارات الأممية التي تدين جرائم التطرف والإبادة الجماعية ومنها القرار مجلس الأمن رقم 2379 في 21 أيلول 2017م، بشأن مساءلة داعش عن الجرائم المُرتكبة في أراضي العراق.

وعلينا جميعاً مسؤولية أمام الله والقانون والمجتمع بأن نسأل أنفسنا عما يمكننا القيام به لحماية المجتمع من جرائم التطرف والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، هذه الجرائم لا تزال ترتكب في جميع أنحاء العالم والسبب هو الإفلات من العقاب، لذا يحتم علينا دائماً انقاذ الأرواح ومنع المجتمعات من الإنهيار والتحول إلى تطرف مؤدي إلى العنف والإرهاب.