سلسلة جرائم الإبادة الجماعية لنظام البعث في العراق
جريمة المقابر الجماعية في مكب النفايات شاهدة على وحشية النظام البعثي في العراق1
عباس القريشي
عند الحديث عن جرائم الإبادة الجماعية المرتكبة من لدن نظام البعث في العراق، نستذكر إحدى أبشع جرائمه، وهي جريمة كشفت عن مدى استخفاف النظام البعثي وجلاوزته بكرامة الإنسان وحرمته أعني بذلك ارتكابه جريمة ضد الأحياء وأُخرى ضد الأموات ففي عام 1991م وبعد هزيمة نظام البعث في حربه العبثية –الخليج الثانية- وانهيار سلطته في محافظات وسط جنوب وشمال العراق، التجأ إلى استخدام العنف المفرط والبطش الأرعن وقام بحملات قمع شديدة ضد الثائرين واستخدم القصف العشوائي ضد المدنيين العزل في وسط وجنوب العراق.
ووظف الجميع امكانيات الدولة العراقية لإخفاء جرائمه ضد الشعب وملأ صحاري العراق بالمقابر الجماعية ومن تلك الأماكن المستعملة مقبرةً جماعية هي منطقة الزركة الواقعة خارج حدود بلدية قضاء السماوة، وخلف مصفى السماوة النفطي، حيث يكون الطمر الصحي وتنتشر الكثبان الرملية وسط المنطقة الصحراوية؛ إذ أقدم البعثيون على قتل وتصفية مئات العراقيين، ودفنوهم في مقابر جماعية داخل منطقة الزركة، ولم يتوقف الأمر هنا، بل قام النظام بمحاولة تمويه الجريمة بطمر الجثث في مواقع للنفايات والطمر الصحي.
لكن بعد انهزام النظام وهروب صدام حسين من أرض المعركة، بدأت تظهر الأدلة على هذه الجريمة البشعة. ومن خلال البحث والتحقيق، تم الكشف عن هذه المقبرة في عام 2012م[1] وبعد العثور عليها عن طريق أحد شهود العيان ومنذ ذلك الوقت أصبحت المقبرة الجماعية في الزركة شاهداً على جرائم النظام البعثي وظلمه ضد الشعب العراقي.
تجدر الإشارة إلى أنَّ هذه الجريمة لم تكن الوحيدة التي ارتكبها النظام البعثي في العراق كما أسلفنا، بل كانت جزءًا من سياسة القمع والإبادة التي مارسها النظام طوال سنوات حكمه. وما زال البحث جاريًا لتحديد مصير مئات الآلاف من الضحايا، ويجب توثيق تلك الجرائم لضمان إنصاف الضحايا ومحاسبة المجرمين.
وستبقى جريمة المقابر الجماعية في منطقة الزركة في السماوة جرحاً في ذاكرة المواطن الجنوبي تذكره بألم الماضي، ووثيقة إدانة على وحشية النظام البعثي وظلمه الذي مارسه ضد شعبه، ووصمة عارٍ تلاحق البعثيين وجلاوزتهم والمتعاطفين معهم.
[1] – ينظر: الموسوعة الوثائقية للمقابر الجماعية المفتوحة في العراق، مجموعة باحثين، الناشر المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرّف،2023م،الجزء الثالث، ص 754.