ataba_head

من غرائب القرارات البربرية إبّان حكم البعث.. قرار تطليق المرأة من زوجها..

من غرائب القرارات البربرية إبّان حكم البعث.. قرار تطليق المرأة من زوجها..

 

أ.د. حسين الزيادي

 

   إن من أشد المآسي التي ابتليّ بها شعب العراق إبان حكم البعث هي مأساة التهجير القسري التي تتعارض مع أبسط مبادئ حقوق الإنسان، والقوانين، والمواثيق، والأعراف الدولية خاصة مع تلك الظروف التي مر بها المهجرون، إذ هامت العوائل على وجهها في البراري والقفار وعبر مناطق حربية حدودية خطرة تنتشر فيها الألغام والمتفجرات بلا مأوى ولا مأمن.

   لقد أصدر نظام البعث بتاريخ 15 نيسان 1981م قراره المرقم (474)، وهو أغرب قرار عنصري شهده العالم في عصره الحديث، هدف هذا القرار إلى تفكيك كيان الأسرة العراقية، لأنّه يحرم الأم من أولادها والزوجة من زوجها، إذ يقضي القرار بتطليق الزوج العراقي زوجته العراقية إذا كانت أصولها إيرانية، حتى إن كانت الزوجة تحمل الجنسية العراقية، وقد اقترن هذا القرار بأسلوب الترهيب والترغيب، حيث منح البعث مكافأة مالية للزوج قدرها 2000 دينار إذا كان الزوج مدنياً، و4000 دينار إذا كان عسكرياً في حال تطليق الزوجة، على وفق شروط ثلاث هي:

1- أن يكون الطلاق رسمياً، مكتسباً لشروطه الشكلية، على وفق قرار قضائي رسمي.

2- أن يسلم الزوج زوجته المطلقة إلى السلطات العراقية لغرض تسفيرها إلى إيران.

3- أن يتزوج الزوج العراقي الطليق من زوجة عراقية (بحسب حسابات نظام البعث) وان يكون الزواج أمام المحاكم الرسمية.

4- عالج القرار (474) مسألة الأطفال فأعطاهم حق البقاء مع أبيهم في العراق، بعد طلاق الأم وتسفيرها، وبالتالي ساعد النظام على انتهاك حقوق النساء والأطفال، وحرمان عشرات الآلاف من النساء من أولادهن لأسباب عنصرية كما صادر النظام ملكية النساء المبعدات من ذهب، ومال، ومساكن، وأملاك أخرى .

   وعلى الرغم من أنّ عشرات آلاف العراقيين لم يذعنوا للقرار ولم يلتزموا به، وأخفوا عقود زواجهم، لما يحمله هذا التصرف من خطورة على حياتهم وحياة أسرهم، إلّا أنّ الحالات القليلة التي اندفع فيها البعض، إلى تطليق زواجاتهم وتسليمهن الى السلطات لتسفيرهن إلى إيران، خوفاً أو طمعاً في المكافأة، تسببت في تمزيق هذه العوائل وحرمان الأولاد من أمهم، وانتحار بعض الأمهات أو إصابتهن بصدمات نفسية..

   وفضلاً عن الطابع اللاإنساني فان القرار يتعارض مع قانون الجنسية العراقي رقــم (43) لسنة 1963 في المادة (12) التي تنص على (إذا تزوجت المرأة الاجنبية من عراقي تكتسب الجنسية العراقية من تاريخ موافقة الوزير، وإذا كانت المرأة الاجنبية غير عربية فلا يحق لها ان تقدم طلب اكتساب جنسية زوجها العراقي إلاّ بعد مضى مدة ثلاث سنوات على الزواج وإقامتها في العراق المدة المذكورة وبشرط استمرار قيام الزوجية حتى تقديم الطلب)، كما إن القرار يتعارض مع قانون الجنسية 2006م الذي جاء كإجراء تصحيحي من قبل الدولة العراقية لمواجهة انتهاك سابق والذي نص في المادة (١١) : للمرأة غير العراقية المتزوجة من عراقي تكتسب الجنسية العراقية بشرط مضي مدة (5) خمس سنوات على زواجها وإقامتها في العراق واستمرار قيام الرابطة الزوجية حتى تاريخ تقديم الطلب، ويستثنى من ذلك من كانت مطلقة أو توفي عنها زوجها وكان لها من مطلقها أو زوجها المتوفي ابناء.

   والقرار يتعارض مع التزام دولي للعراق بموجب اتفاقية (سيداو) التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1975م، وتحديداً المادة ٩ منها التي تنص على منح المرأة من قبل الدول الأطراف في المعاهدة حقوقا مساوية لحقوق الرجل في اكتساب جنسيتها أو تغييرها أو الاحتفاظ بها، وتضمن بوجه خاص ألاّ يترتب على الزواج من أجنبي أو على تغيير الزوج لجنسيته أثناء الزواج، أن تتغير تلقائيا جنسية الزوجة، أو أن تصبح بلا جنسية، أو أن تفرض عليها جنسية الزوج.

   كما انّ القرار يتعارض مع نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المجلد الثاني، الفصل 32، المادة 16 التي تنص على (حق التزوج وتأسيس الاسرة دون أيِّ قيد بسبب العِرق أو الجنسية أو الدِّين)، وكذلك الحال في اتفاقية جنيف الرابعة، المادة 82، الفقرة الثالثة التي نصت على ضرورة أن تعطى العائلات ما أمكن من التسهيلات اللازمة كي تتمكّن من أن تحيا حياة عائلية مناسبة، ويتعارض القرار (474) مع الاتفاقيات الإقليمية الثلاث لحقوق الإنسان، والقاعدة 105 من القانون الدولي الإنساني واتفاقية حقوق الطفل (المواد 9، 10، 22)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المادة 23-1) والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المادة 10-1) وجميعها تختص باحترام الحياة العائلية.