ataba_head

الفضيلةُ مازالت تَنْتَصِرُ

الفضيلةُ مازالت تَنْتَصِرُ

 

د. عطور الموسوي

 

عرفتها بين طيات قصة جميلة مشوقة خطتها أنامل سليلة العلم وربيبة العلماء والفقهاء العلوية رائدة العلوية بنت الهدى رضوان الله عليها.

امرأةٌ ما جادَ الزَّمانُ بِمِثلِها، مؤمِنَةٌ عالِمَةٌ عَامِلَةٌ، وكأنّها جذوةُ نُورٍعَلَوِيَّةٌ تناقلتها الأصلابُ المؤمنةُ إلى الأرحامِ الطاهرةِ جِيلًا بعدَ جِيلٍ لتجعلَ للقرنِ العشرينَ قدوةً نسويةً تتمحورُ حولَها الفتياتُ، وتُقتَبَسُ منها كلُّ القيَّمِ الإنسانيةِ المعطاءة، ولتَنثُرَ عبيرَها أينَما حلّتْ..

شدّتني إليها بكلّي وأنا طالبةٌ في الصَّفِ الأولِ للدراسةِ المُتَوَسطةِ عِبرَ مجموعةٍ قصصيةٍ كانَ يُزَوِّدَنِي بِهَا أخي الشهيد جمال الموسوي رحمه الله في ضمن مجموعةِ كراساتٍ صغيرةٍ أُخرى أرادَ عِبرها إعدادَ شخصيتي وزيادةَ وعيي الدِّينيِّ والاجتماعيِّ بطريقةِ الدعاةِ الهادفينَ لبناءِ الشخصيةِ الإسلامِيِّةِ لكلِّ مَن يعرفونه أهلًا، وجيرانًا، وزملاءَ دراسةٍ، وغيرَهُمُ.

نعم كانت كلُّ قِصَّةٍ من قصَصِهَا تنقلني إلى عالمٍ آخرٍ يُعَزِّزُ معنوياتي وتزيدني إصرارًا وأنا المُحَجَّبةُ الوحيدةُ في مَدرَسَتي الابتدائيةِ، وثاني مُحَجَّبَتَينِ في مدرستي المتوسطةِ.. تعينُني كلماتُها على مواجهةِ ما نتعرضُ لهُ مِن مديرة المدرسةِ البعثيةِ الَّتي كانت تَتَعَمَّدُ التَّضيِيقَ علينا كونَنا وزميلتِي نرتدي الحجابَ.. تستهزأُ بنا و(تَتَنَمَّرُ) علينا بمصطلحاتِ العصرِ الحديثِ، ولا تراعي تفوقَنَا في دراستنا والتزامنا بالدوام وكلَّ تعليماتِ المدرسةِ، فقد أعماها حِقدُهَا البعثيُّ على كلِّ خِصلَةٍ نَبِيلةٍ فهي تشعرُ بالنَّقصِ كونُها بعيدةً عَنها.

والفضيلةُ تنتصرُ تلكَ القِصةُ الَّتي كانَ عُنوانُها مثابةَ وعدٍ وعدتنا به الشهيدةُ العَلَوِيَّةُ الفاضلةُ، فقد جاء الفعل مضارعا دالا على الحال والاستقبال.. وكنتُ أشهدُ انتصارَ الفضيلةِ طيلة عقودِ عمري وفي أحلك ظروفٍ مررتُ بِها.. حتى سقطَ طاغيةُ العراقِ صَدَّامُ المقبورُ في التَّاريخِ نفسهِ الّذي كانَ فيهِ استشهادُها واستشهادُ أخيها رضوان الله عليهما.. وصرنا نقيمُ برامجًا نُحيي فيها تلكَ الذكرى سَنَوِيًّا، وفي كل عام أجِدُ الفضيلةَ تنتصِرُ وَتَشِعُّ على وجودنا قوةً لن نضعف بها أمام مخططاتِ أعداءِ الإسلامِ، وتعطينا عَزمًا على المضي على وفقِ نَهجِها وخطاها بثقةٍ لن يثنيها نعيقُ غِربانِ الشَّرِ وإنْ تعددتْ وَسائِلهم.

نعم لقد انتصر دمك سيدتي على جبروت الطاغية صدام وها أنت اليوم تستذكرك الأجيال وتخضر من دمك الطاهر أزاهيرا للعطاء خالدة كخلود الشهادة وحياتها الأبدية التي بيّنها الله تعالى في كتابه الكريم:

“وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتًۢا ۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا۟ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍۢ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ” (169ـ171) آل عمران.

وهذا هو النصر المؤزر المبين لك ايتها الفضيلة التي انتصرت رغم أنوف الطغاة.