الشباب وآليات مواجهة التطرف في سياق القرار 2535
د.محمد جبار الكَريزي
يشير القرار 2535، والذي اتخذه مجلس الأمن الدولي إلى الدور المهم الذي يمكن أن يؤديه الشباب بوصفهم صناع تغيير في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف المؤدي إلى الإرهاب، وإلى الدور الرئيس الذي يقوم به الشباب في إعادة بناء نسيج المجتمع، ومن أجل ذلك يجب إعطاء مساحة أكبر للشباب في بناء منظومة كاملة ومتساوية وفاعلة لجميع مراحل السلام، وتمكين الشباب من صناعة التغيير في مكافحة الإرهاب والتطرف.
وتجلت أهمية القرار 2535 عن القرارات السابقة التي صدرت عن مجلس الأمن بخصوص الشباب ودورهم في مواجهة التطرف، والإرهاب، وبناء السلام، إذ أتى لتعزيز قدرة الأمم المتحدة على مساندة هذه الأجيال الشابة وخاصة الأجيال المقبلة في مواجهة التطرف، والإرهاب، وويلات الحرب، والتهميش، والبطالة، والتشديد على الدبلوماسية الوقائية، والوساطة، والمساعي الحميدة، وحفظ السلام وبنائه والحفاظ عليه.
إنّ تمكين الشباب في مواجهة التطرف يأتي في إطار تمكين المجتمع، والتمكين عملية اجتماعية تمنح الأفراد القوة، والحرية، والمعلومات، لصنع القرارات والمشاركة في عملية اتخاذ القرار.
وتشير إحصاءات وزارة التخطيط العراقية إلى أن نسبة الشباب ضمن الفئة العمرية (١٥-٢٤) سنة نسبتها (٢٨٪) من مجموع السكان، والبالغ عددهم (٤٣) مليون و(٣٢٤) الف نسمة لسنة 2023، وهذه فرصة مناسبة لاستثمار الشباب وتزويدهم بالمهارات والأدوات لرفع مستوى وعيهم في مواجهة التطرف، وكذلك مساعدتهم في الانخراط في المجتمع لكي يصبحوا مواطنين فاعلين وواعين، ورفع وتيرة مشاركتهم في عمليات صنع القرار.
وتماشياً مع استراتيجية الأمم المتحدة للشباب 2030، والتي تهيب بجميع الجهات الفاعلة المعنية أن تأخذ في الاعتبار آراء الشباب ومشاركتهم الهادفة والاستفادة من وجهات نظرهم وآرائهم وافكارهم، اعترافاً منها بأنّ تهميش الشباب لا يخدم بناء السلام المستدام.
إذ تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن تمكين وحماية الشباب في أوقات النزاع المسلح، وما بعد النزاع ومشاركتهم في عمليات بناء السلام، يمكن أن يسهم إسهاماً كبيراً في مواجهة التطرف المؤدي إلى الإرهاب، وكذلك صون السلم والأمن الدوليين وتعزيزهما، وينبغي أن يكون ذلك عنصر مهم في أيّ استراتيجية شاملة لحل النزاعات، وبناء السلام، ومواجهة التطرف.
ومن أجل ضمان تطبيق القرار الأممي 3235، والإفادة منه في مواجهة التطرف، فإن ذلك يتطلب تذليل الصعوبات وتوفير بعض الأمور على وفق المحاور الآتية:
1. التحديات:
تشير التقارير الدولية إلى الحواجز الهيكلية التي تحد من مشاركة الشباب، وقدرتهم على التأثير في صنع القرار، وحقوق الانسان، وعدم كفاية الاستثمار في الشباب، ولاسيما عن طريق التعليم الجيد والعمل اللائق والرعاية الصحية الجيدة والفرص الاقتصادية.
ومن أجل تذليل ذلك يتطلب التواصل المستمر مع الشباب واشراكهم والعمل معهم ودعمهم وتدريبهم في الدفاع عن حقوقهم وتهيئة الظروف التي تسمح لهم بالتقدم وبأداء دور نشط هي أمور لابد منها لتمكين المجتمع من تحقيق السلام والأمن، وذلك عن طريق إجراء المقابلات والجلسات الحوارية المستمرة معهم، وإقامة الورش التدريبية، والندوات، وتقديم الاستشارات، لتعزيز مشاركتهم في الفضاء العام.
2. الإجراءات:
تهيب الأمم المتحدة بالجهات الحكومية أن تنظر في السبل الكفيلة بزيادة التمثيل الجامع للشباب من أجل منع نشوب النزاعات وتسويتها، فضلاً عن بناء السلام ومنع التطرف، بما في ذلك اعداد السياسيات والاستراتيجيات والتفاوض بشأن اتفاقات السلام وتنفيذها، وأن تضمن المشاركة الكاملة والفاعلة والهادفة للشباب اعترافاً بأنّ تهميش الشباب ليس في مصلحة بناء السلام المستدام.
ومن الإجراءات الواجب توفيرها من قبل الحكومات للشباب هو تمكينهم في المجتمع بوصفهم صناع للتغير، فضلاً عن زيادة تمثيلهم في صنع القرار على مستوى الرئاسات الثلاثة والمؤسسات التنفيذية الأخرى.
3. السياسات والاستراتيجيات:
تشدد الأمم المتحدة على أهمية وضع السياسات للشباب التي من شانها أن تسهم ايجابياً في جهود بناء السلام ومواجهة التطرف، بما في ذلك تحقيق التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، ودعم المشاريع الرامية إلى تنمية الاقتصادات المحلية، وتوفير فرص العمل والتدريب المهني للشباب، والنهوض بتعليمهم، وتشجيعهم على مباشرة الأعمال الحرة والمشاركة السياسية البناءة.
إذ وضعت الحكومة العراقية جملة من السياسات والتشريعات على وفق رؤية مفهوم الأمن الوطني الشامل، ومنها: الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التطرف العنيف، واستراتيجية مكافحة الارهاب، واستراتيجية اصلاح القطاع الأمني، والمجلس الأعلى للشباب، فقد حرص صناع القرار على إشراك الشباب في جميع مسارات السياسات والاستراتيجيات، والتدريب المهني، والاستشارات من أجل توفير حياة أفضل لهم.
4. الفضاء الرقمي:
إن الفضاء الرقمي بأنواعه يتيح فرصاً مبتكرة للمشاركة في الحوار والمساءلة، وتحقيق الشفافية في صنع القرار، بما في ذلك السياسات المتأثرة بالنزاعات، وإنّ شبكة الانترنت ومنصات التواصل الاجتماعي يمكن استخدامها لنشر المعلومات المضللة، والإيديولوجيات الإرهابية وتهديد المواطنين والاعتداء عليهم، وهناك قلق من استخدام الارهابيين ومناصريهم، في مجتمع معولم للتكنولوجيات الجديدة في مجال المعلومات والاتصالات في أغراض إرهابية.
يُشجع القرار 2535 الدول على أن تمنع بصورة تعاونية الإرهابيين من استغلال التكنولوجيا والاتصالات للقيام بأعمال إرهابية ونشر التطرف الديني، وعلى أن تحترم في سياق ذلك حقوق الإنسان، والحريات الأساسية، والالتزامات الأخرى، التي يقضي بها القانون الدولي.
ومن أجل حماية الشباب من التجنيد الإلكتروني وتحصينهم أمنياً من العصابات الإرهابية عبر المواقع الإلكترونية، ومنصات التواصل الاجتماعي، فأن المؤسسات الحكومية وغير الحكومية في العراق قد عملت على تثقيف الشباب وزيادة الوعي في مجال الاستخدامات الإلكترونية، من أجل تحصيلهم الحماية الإلكترونية لمنع الارهابيين من استغلالهم عن طريق التكنولوجيا والاتصالات.
5. إعادة التأهيل:
إنّ عملية تعافي الشباب الناجين من النزاعات المسلحة جسدياً، ونفسياً، وإعادة إدماجهم اجتماعياً، بما فيهم ذوي الإعاقة والناجين من العنف، عن طريق جملة أمور، ومنها: (إمكانية الحصول على التعلم الجيد، والرعاية الصحية، والدعم الاجتماعي، والدعم الاقتصادي، وتطوير المهارات من أجل استئناف الحياة الاجتماعية والاقتصادية).
إذ تؤكد الأمم المتحدة على المسؤولية الأساسية للحكومات والسلطات الوطنية عن تحديد الأولويات والاستراتيجيات والأنشطة المنّفذة لبناء السلام والحفاظ عليه، وعن الدفع بها وتوجيهها نحو الشباب، وإنّ شمول الجميع بطرائق ومنها: كفالة المشاركة الكاملة، والفاعلة والمجدية للشباب في صنع القرار، دونما تمييز من أي نوع، مثل التمييز على أساس العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الإعاقة، أو الدين، أو المعتقد، أو الرأي السياسي، أو الاصل القومي، أو الاجتماعي، أو الملكية أو المولد، أو أي وضع آخر، أمر أساسي للنهوض بعمليات وأهداف بناء السلام من أجل كفالة ومراعاة احتياجات قطاعات المجتمع كافة.
6. المجتمع المدني:
تأتي أهمية المجتمع المدني، بما في ذلك المجتمع المدني الأهلي، وبنُاة السلام، والنقابات، والاتحادات، والقطاع الخاص، والاوساط الاكاديمية، ومراكز الفكر، ووسائل الإعلام، والقيادات الثقافية والتربوية والدينية، في جهود بناء السلام والحفاظ عليه بوسائل منها: زيادة الوعي بتهديدات الإرهاب والتصدي له بصورة فاعلة، وتنوير الرأي العام عن طريق إقامة الجلسات الحوارية مع أصحاب المصلحة (الشباب)، وإدامة التواصل مع فئات المجتمع المدني كافة من أجل التصدي للتطرف العنيف المؤدي إلى الإرهاب.
إنّ التنسيق والتعاون مع المجتمع المدني في تقديم الاستشارات ومعالجة المشكلات عن طريق تقديم المساعدة المادية والمعنوية وإجراء المقابلات والاطلاع على الواقع الاجتماعي للشباب، يعمل على تعزيز دورهم في المجتمع، فضلاً عن التشجيع على المشاركة المدنية للشباب في إعادة بناء المناطق التي دمرتها النزاعات، وتقديم المساعدة للنازحين وضحايا الحرب، وتعزيز السلام والمصالحة وإعادة الاعمار.
وفي ضوء ما سبق، يتضح أن تمكين الشباب في مواجهة التطرف يجب أن يتم عن طريق الإفادة من الشباب في جهود السلام وصنع القرار وتدريبهم على أسس الحوار الشامل في بناء السلام، ورفع قدراتهم في مواجهة التطرف، وأن تنظر المؤسسات الحكومية في السبل الكفيلة بزيادة التمثيل الجامع للشباب في الجهود الوطنية والإقليمية والدولية الرامية إلى بناء السلام والحفاظ عليه، وأن تتاح الفرص للشباب لتعزيز قدراتهم على مقاومة العنف، والتجنيد في صفوف الإرهابيين ومنع تغذيتهم بالفكر المتطرف المفضي إلى الإرهاب عن طريق وضع سياسات من أجل الشباب من شانها أن تسهم إيجابياً في جهود بناء السلام، كذلك التأكيد على تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية المحلية وتوفير فرص العمل والتدريب المهني للشباب، والنهوض بتعليمهم وتشجيعهم على مباشرة الأعمال الحرة، والمشاركة السياسية البناءة، وتنوير الشباب وتحصينهم ضد أية أفكار متطرفة، واتخاذ التدابير المناسبة لتعزيز تعافي الناجين الشباب من النزاعات المسلحة جسدياً، ونفسياً، وإعادة إدماجهم اجتماعياً، بما فيهم ذوي الإعاقة، والتأكيد على الدور الرئيس الذي تقوم به المرأة الشابة في إعادة بناء نسيج المجتمع، وتشجيع الدراسات والبحوث التخصصية في مكافحة التطرف، والإفادة من التجارب العالمية في توثيق جرائم التطرف، واستثمار القرارات الأممية الخاصة بإدانة التطرف والارهاب، وأن تكثف الجهود الدبلوماسية مع الدول الصديقة لمنع تعاون الارهابيين من استغلال التكنولوجيا والاتصالات والفضاء الرقمي للقيام بأعمال إرهابية من خارج الحدود.