banarlogo

التغيير الديموغرافي وسياسة التجنيس في العراق أبان حكم البعث

التغيير الديموغرافي وسياسة التجنيس في العراق أبان حكم البعث

 

أ.د. حسين الزيادي

 

يحتل موضوع الجنسية وفرضها أو اكتسابها وسحبها و استردادها أهمية بالغة في مجال حقوق الإنسان, كون الجنسية تظهر الهوية الوطنية للفرد، وبفقدها يكون مواطناً مشرداً لا دولة تأويه ولا قانون يحميه ولا تشريع ينظم معاملاته، لذلك نصت القوانين الحديثة على منع سحب او إسقاط الجنسية عن المواطن إلاّ في أضيق الحدود، ووفقاً لشروط وضوابط محددة بدقة، وتتنوع طرق الحصول على الجنسية بين ما هو مقرر بقوة القانون و لا تحتاج لفرضها شروطاً معينةً سوى توافر رابطة الدم، سواء من ناحية الأب أو من ناحية الأم، وهذا ما يسمى بالجنسية الأصلية، وقد شهدت قوانين الجنسية تخبطاً كبيراً في زمن البعث، ويعدّ القرار رقم 666 لسنة 1980م الذي أُلغي بموجب المادة 17 من قانون الجنسية رقم 26 لسنة 2006م سابقة خطيرة ومخالفة فاضحة للمادة (15) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نصت فقراته الاولى والثانية على ان لكل فرد حق التمتع بجنسية ما و لا يجوز، تعسُّفًا، حرمانُ أيِّ شخص من جنسيته ولا من حقِّه في تغيير جنسيته، كما ان القرار يتعارض مع أحكام الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها نظام البعث ولم يلتزم بها، وهي: الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965م والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966م والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري لعام 1973م واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979م، ولاشك ان الاسباب الحقيقية الموجبة لهذا القرار هو شرعنة جرائم الإبادة الجماعية والتهجير القسري اللتين ارتكبها نظام البعث تحت ذريعة إسقاط الجنسية العراقية عن كل عراقي من أصل أجنبي، ونص القانون على ان المعيار المتبع هو (عدم ولائه للوطن والشعب والأهداف القومية و الاجتماعية العليا للثورة) وهذا المعيار بحكم مرونته وفر للنظام حرية تطبيق القرار على من يشاء، وفي أي وقت يشاء، وهو قرار كان يهدف لتغيير الخريطة الدينية والمذهبية للبلد.

اما الأساس القانوني الذي تعكز عليه النظام في إصداره للقرار ٦٦٦ الخاص بسحب الجنسية، فهو: أن القانون رقم ٤٢ لسنة ١٩٢٤م وهو أول قانون جنسية عراقي عدّ في مادته 3 من كان يوم 6 اب من عام 1924م عثماني الجنسية وساكن في العراق بشكل معتاد تزول عنه الجنـسية العثمانية، ويعد حائزا للجنسية العراقية اعتبارا من التاريخ المذكور، وبذلك أضحى من هو من أصول غير عثمانية أجنبياً له الحق في اكتساب الجنسية العراقية بالتجنيس لا بالدم او الولادة، حيث أسس هذا القانون لنوعين من العراقيين هما: درجة اولى ودرجة ثانية، وكان منفذاً لنظام البعث اعتمدته في إقصاء العديد من العراقيين من المواقع الرسمية تحت عنوان التبعية الأجنبية فيما الواقع انهم عراقيون ولدوا في العراق وسكن اجدادهم العراق من قرون.

ومن جهة أخرى ولأغراض سياسة التوطين السكاني المخل بالتركيبة السكانية في العراق فقد تضمنت قوانين الجنسية في زمن البعث منح الجنسية للعرب على وفق شروط يسيرة بحسب قانون منح الجنسية العراقية للعرب رقم (5) لسنة 1975م المنشور في الوقائع العراقية، العدد: 2434 والذي أشار في المادة الأولى منه إلى منح الجنسية العراقية بشرط أن يكون المتقدم بالغاً و مولوداً من أبوين عربيين بالولادة و مستمراً في العيش في (الوطن العربي)، وتمنح الجنسية خلال مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر من تاريخ تقديم الطلب، وقد علل نظام البعث ذلك القرار بالأسباب الموجبة المرفقة مع القرار وهي: (بالنظر إلى أن قانون الجنسية العراقية وتعديلاته لم يولّ منح الجنسية العراقية للعرب الأهمية الملائمة له ولم يؤكد الدور الذي يضطلع به العراق في مجال السياسة القومية في الوطن العربي، وحيث ان التقرير السياسي الصادر عن المؤتمر القطري الثامن لحزب البعث العربي الاشتراكي، الحزب القائد لنظام الحكم في القطر العراقي كان قد أكد على أهمية هذا الدور في توثيق الصلات مع الأخوة العرب في أقطارهم المختلفة، وبناء الأسس الموضوعية لقيام الوحدة بين الشعب العربي في جميع اقطاره لإزالة الحدود المصطنعة التي اقامها المستعمر)، علماً بانه تم تعديل بعض فقرات القانون بحسب قانون الجنسية العراقية والمعلومات المدنية رقم (46) لسنة 1990م والذي نص في المادة السابعة على ان للوزير منح الجنسية العراقية للعربي الذي يطلبها إذا كان قد بلغ سن الرشد.

وبعد عام 2003م وبحسب قانون الجنسية العراقية رقم (26) لسنة 2006م، انتبه المشرع لنوايا التشريعات السابقة، لذا نص القانون على عدم منح الجنسية العراقية لأغراض سياسة التوطين السكاني المخل للتركيبة السكانية في العراق، وتمت اعادة النظر في جميع قرارات منح الجنسية العراقية التي أصدرها النظام السابق لتحقيق أغراضه.