banarlogo

الدماء التي لا تهز شعرة الرئيس!

الدماء التي لا تهز شعرة الرئيس!

 

الأستاذ الدكتور رائد عبيس

 

عضو المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف

 

شاهدنا واستمعنا لمقطع فيديو كان للرئيس المجرم المعدوم صدام حسين، وهو يتحدث فيه عن حماية الثورة من اعدائها الذين لم يحدد هويتهم، ولا جهتم، ولا قوميتهم، ولا جنسهم، بل عمم فيه القول وقال: (كل أعداء الثورة) ويقصد بذلك ثورته، وثورة حزبه، حزب البعث العربي الإشتراكي المنحل والمحظور حالياً.

ولو كانت الثورة التي يقصدها ثورة شعب، أو أمة، لكان الأولى بالشعب والأمة، حماية هذه الثورة، والحفاظ عليها، وعلى مستقبلها ونجاحها. بل كان الرئيس المجرم في كل مرة يؤكد على أن الثورة التي يقصدها، هي ثورته وثورة عصابة حزب البعث.

فهي ثورة شعارات وإطاحات لا ثورة منجزات، ولا ثورة مبادئ وأفكار وتطلعات شعب. بل جعلت من الشعب العدو الأول لها ؛ لأنها صادرت في أول سيطرتها كل إرادة للشعب، واختصرت تطلعاته في حماية الحزب وديمومة حكمه ومواجهة معارضيه.

ويبدو واضح في أغلب دروس التأريخ التي دونت عن حزب البعث في مدحه أو نقده.

نرجع إلى فحوى الفيديو الذي استمعنا له والبالغة مدته 97 ثانية، أختصر بها الرئيس المجرم نزعته الدموية الفطرية والمكتسبة، وأظهر بها جنون سلطته، وبانت فيه حركات عيونه بطريقة حيوانية شرسة، وإصرار مبالغ فيه على الإجرام، وفي الوقت نفسه كان يتوجس الخوف من سامعيه؛ وكأنه يريد ان يوصل لهم رسالة عن حجم إجرامه، واستعداداته العدوانية التي تطال كل شيء، ومع ذلك حدثت له هفوات لفظية ووقفات في نطق عبارتين ذكرهما وهي (هزة الشعرة ) وعبارة أخرى هي (أي اهتمام بالرقة).

لا نعلم حيثيات هذا اللقاء الذي جمع الرئيس المجرم مع من بالتحديد؟ هل هو اجتماع مع خاصته؟ أم مع أعضاء الحزب؟ أم مع الحرس الخاص؟ أم مع أعضاء مجلس قيادة الثورة؟ أم مع الجيش؟ أم مع الشرطة؟ أم مع المخابرات والاستخبارات؟ أم مع المختصين بالتعذيب والجلادين وفرق الإعدامات التي يشرف عليها بنفسه؟ أم مع القضاة؟

وهنا نسأل هل كان هذا اللقاء سري للغاية؟ أم أنه لقاء سُمح بتداول بناءً على أوامر الرئيس المجرم، وانطباعاته، وتوجيهاته التي أكدت توجهه في معاقبة معارضيه؟ فإذا كان هذا التداول في الأوساط الاجتماعية مقصوداً، فالأمر يدفع بنا للتساؤل افتراضاً، هل كان للادعاء العام أن يُحاسب الرئيس على أقواله هذه التي خالف الدستور، وقانون العقوبات العراقي، وخالف فيها الشرع والدين، وأصول الحكم، والمحاكمات. ومبادئ الثورة التي يزعم أنها ثورة الشعب؟

الرئيس المجرم يبدأ بفرضية سعة وكبر المعارضة، فهو يبدأ تهديده للشعب ولكل الأوساط السياسية والمعارضة بقطع رؤوسهم من الرقم (1000) ويأخذ بالتصاعد إلى (2000) إلى (3000) وينتقل بعدها ليقفز إلى الرقم (10000) عشرة آلاف. ويقول جازماً ومؤكداً وقاسماً إنه يقطع رؤوس هذا العدد من المعارضين والأعداء الذين يحددهم من دون أن تهتز شعرة منه!!! ويؤكد القول إن هذا الصنف من الناس الذي يواجهن ثورته ويعارضون حكمه أنهم بـ(قسماً منه) يستحقون الذبح من دون أن يبدر منه اتجاههم رقة قلب أو أي رأفة.

هذا القول الإجرائي الذي تكلم عنه الرئيس المجرم تحول إلى برنامج عمل إجرائي عند عناصره الإجرامية التي جلبها ودربها لتكون نسخة بديلة عن قسوته اتجاه معارضيه، وكم نفذ من عناصره ما لم ينفذه الرئيس المجرم نفسه، بل كانوا أشد قسوة وإجراماً، حتى لقد أطلق عنانهم لممارسة لكل أساليب القسوة وأبشعها وأكثرها وحشية.

مع هذا التخويل الشفوي الممنهج أمتنع الرئيس المجرم من توثيق كثير من العمليات الاجرامية التي أمر بها مثل: الإعدام وتقطيع رؤوس ليكون الرقم الذي ذكره في التسجيل، بل وأكثر بعشرات المرات، حتى وصل العدد إلى المليون ضحية وأكثر – لأن ليس كل نزعة إجرامية أو عملية إجرامية عند الرئيس المجرم، مسجلة وموثقة، وإنما القليل منها قد وثقت لا سيما تلك التي صدرت بها قرارات طبقا لأحكام مجلس قيادة الثورة الإجرامية. ونقول إجرامية وبالتوصيف القانوني لهذه الكلمة؛ لأن الرئيس أطلق يد عناصره وكوادره، في اختيار الطرق الإجرامية المتنوعة وتطبيقاً على أبناء الشعب العراقي. وهذا ما صرح به الرئيس المجرم نفسه.

جاء ذلك في قوله فيما يخص التعذيب إذ قال بالنص: (من يموت في التحقيق لا قيمة له) وهذا تصريح باعتماد إلى أساليب التعذيب المميتة التي كان يأذن بها الرئيس مع من يأمر بتعذيبهم، وذكر عبارات إلى جانب هذه

تسمح لعناصره بإحداث تلف وعوق في جسم الإنسان المعتقل والمعذب من المعارضين ومن يشك بهم كذلك، بقوله: (منهم من يخرج مكسر، ومنم من يطلع يضمد جراحه). وهذا إذن باستعمال التعذيب، بل والتعذيب العنيف في أثناء التحقيق وهو مخالفة قانونية تامة، دستورياً، وقانونياً، محلياً، ودولياً. تجاهلها الرئيس القاتل كونه وكما يصف نفسه على أنه هو القانون، وهو من يمثل القانون، كما كان يعربد بهذه الجملة في أثناء محاكمته، وكان تتبجح بها زوجته وأولاده، ومن هم مأذونين من عائلته بالإجرام والتعذيب والتطاول على من يريدون.

كما جاءت في هذا الفيديو عبارة بقوله: (ومنهم من يندفن ويخيس) ويقصد بها معارضيه بعد مقتلهم من قبله ونظامه، وهي إشارة إلى الدفن الجماعي المخولة به عناصره قبل الموت وبعد الموت، أي دفنهم أحياء أو أموات. المهم يتحقق بهم أقسى فعل الإبادة وهو (الخيس) أي التلف الذي لا رجعه فيه، وهذا ما حدث فعلاً مع عشرات الآلاف من الضحايا الذين لم يُعثر بها على جثامين أو حتى بقايا رفات، كانوا قد تحللوا بالتربة تماماً بفعل عوامل التحلل الموجودة في التربة والدفن بطرق غير قانونية وشرعية وإنسانية.

وإن مراحل القسوة الصدامية تبدأ من التعذيب بالتكسير، ومن ثم مرحلة الموت في أثناء التعذيب، ومن ثم مرحلة الدفن بما يحقق خيسة جثة الضحية وتلفها البايولوجي التام، لقد كانت كل هذه المراحل عادية ومشروعة عنده ولا تهز شعرة للرئيس ! وعلى حد قوله بلهجته (أشَعَرهْ).

ليس هذا ما يمكن لنا أن نصف به الرئيس بالقاتل، بل حتى القانون الذي كان يدعي تطبيقه وتمثيله ممكن أن نطلق عليه القانون القاتل، لأن القانون الذي يشرع قوانين محددة الأبعاد الدلالية، بما يخص تشريع يُلزم توفير الوثيقة للإدانة، فإنه يحقق الظلم من وجه آخر ولا يُحقق العدل ولا العدالة؛ لأن الرئيس الذي نستمع له وهو يشرع لنفسه أساليب حماية حكمه وثورته المزعومة بالقتل وقطع الرؤوس والتهديد بالإبادة والتعذيب، تكون عندها كل مظلمة لحقت بالشعب العراقي هي صورة إدانة واضحة ومُتكاملة له والرئيس يكملها بإدانة نفسه، وهو يسخر بدماء ضحاياه، ويشرعن لأتباعه القتل، والذبح، والإبادة، وهذا ما فعلوه لاحقاً في حلفهم مع القاعدة وداعش في إلحاق الأذى بالشعب العراقي، طيلة سنوات تلت سقوط حكمه، ابتداء من الأيام الدامية التي كانت تسمى من السبت الدامي، والأحد الدامي، والأثنين الدامي، والثلاثاء الدامي. والأربعاء الدامي، والخميس الدامي، والجمعة الدامية. مرورا بأكثرها قسوة المتمثلة بـ: جريمة سبايكر، وسجناء بادوش، وجريمة إبادة الصقلاوية، وتفجيرات ديالى وغيرها.

إن أقوال الرئيس المجرم في هذا التسجيل قد اختصرت الإجابة عن تساؤلات لا تعد ولا تحصى عن سياسة البعث، وعن مصير ضحاياه المفقودين الذي ظل السؤال عنهم يؤرق عقول ذويهم مصحوب بألم الفقد، والضياع، والموت الحزين.

فإن الدماء التي تستباح من العراقيين كانت لا تهز شعرة من الرئيس !!! كانت قد تهز عرش السماء، كما جاء ذلك في روايات معتبرة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته (عليهم السلام)، تشير إلى حرمة دم المسلم وكرامته والتي يهتز لها العرش لهول بعض المصائب، والجرائم، والذنوب، والفواحش والتي جسدها الفعل الإجرامي الصدامي وزمرته الحزبية القاتلة.

في أدناه رابط التسجيل على قناة اليوتيوب:

https://youtu.be/dXjO23CFFGI?si=ewGvSNdquKqxbC6E