شُعاعٌ مِنْ إيمانِ سَيِّدِ المُتَّقِينَ الإمامِ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)
د. عطور الموسوي
إنَّها السَّنةُ الأربعونَ بعد الهجرةِ النَبويَّةِ، مدينة الكوفة والليل قد لَملَمَ أطرافه مهرولاً قبل وقوع المصيبة، والفجرُ لاحَّ وَجِلا مما سيقع في تباشيرِ خيطهِ الأبيض حيث سيُشَجُّ رأس أتقى الأتقياءِ بسيفِ أشقى الأشقياء، وستَهِزُ كيان مسجد الكوفة تلكَ الجُملَةُ الخالدةُ: ” فُزتُ وربِّ الكعبة ” بلسانٍ ما نطقَ إلّا بكلامِ الله، وما قالَ إلّا ما يُرضي اللهَ، وماحَكَمَ إلّا بحكم الله.. بينما يأتي هاتف السماء يَهزُّ الأرجاءَ: تهدمت والله أركان الهدى، وانقصمت العروة الوثقى.
كيف يكون انقصام العروة وتهدم الدين بفوز عليٍّ بالجنةِ؟ عبارة تحكي فصولاً من عمق إيمانه عليه السلام وصبره على الأذى، كيف لا وهو أول من أسلم ومن فدى رسول الله من سيوف عتاة قريش ليلة الهجرة وقد قرروا تقطيعه إربا ليضيع دمه بين القبائل.
لقّنهم أول درس وهم يشهرون سيوفهم المغمسة بسُمٍّ قاتل يردي هدفهم قتيلا فور ضربه، ما هوت سيوفهم عليه وإنما صرخوا بصوت مفزوع: (عليّ !!)، نعم عليٌّ الذي عرّفَهُم معنى شجاعة شاب في ربيع عمره أعزلٌ مجردٌ من كلِّ سلاحٍ الا إيمانًا عميقًا يَعْمُرُ قَلبَهُ، وعقيدةً تَرَسَّخَتْ في روحٍ نقيةٍ ما دَنَّسَتْها عِبادَةُ الأوثان مثلهم، روحه اطمأنت وعلمت أنَّ الموت في سبيل الله فوز وحياة، عليُّ الذي توالت عليهم دروسه، ولكن قَلَّ المُعتَبِرونَ.
هو نفسهُ في صحراء بدر يقتل رموز شركهم بذي فَقارِهِ بشجاعة هزمت قادتهم العتاة وولوا مدبرين، هو نفسهُ من تقدم جيش المسلمين في كلِّ واقعةٍ وأقام الإسلامَ بذي فَقاره، إنه قاصم أئمة الشرك والنفاق وهادم قلاع الناكثين، والقاسطين والمارقين.
ما همَّ عليا أن مات في ليلة الهجرة أو بعد عقود منها، وما همّه إنْ قطعّته سيوف الشرك المتحالفة مع اليهود، أو شَجَّتْ رأسُه ضربةَ هذا الدَّعيِّ الجَحودِ، عليٌّ قد حسم أمره بالفوز بالجنة، ومنذ يومِ مبعثِ الرسولِ الأكرمِ تاجر مع الله ،وربحت تجارتَهُ ولَمْ تَبُرْ، عقود عمره الشريفة كان يطويها منتظرًا لقاء ربه، وقلبه عامر بإيمان من عرف الله حق المعرفة.
ونظل ننشد نداكَ ما حيينا فأنتَ أنتَ حيٌّ وميتٌ..
يا سيد التقوى هب لقلوبنا نفحة من تقاك تُثَبِّتَها على نهجك.
يا سيد العابدين هب لأنفسنا صبرا على طاعة الله من دون رينٍ.
يا سيد الزهد هب لهوانا هدًى يُرضي اللهَ، ويَعتِقَنَا مِنَ الدُّنيا.
يا سيد الشجاعة هب لنا ثباتا على الحق مهما كان صعبًا.
يا سيد الإحسانِ هَبْ لنا رحمةً تُسَخِّي يَدِنَا على الُمعسرِينَ.
يا سيد البصيرة أضفي على عقولنا فكرا نيرا يصلح شأننا.
يا سيد البلاغة أغدقْ على ألسنتنا قولًا سديدًا يُعزّ الحقَّ والدِّينَ.
يا سيد العدل اجعلنا منصفين وأبعِدنَا عن مواقفِ الظُّلم والظّالمينَ.
وكن شفيعنا يومَ الدِّينِ.. اللَّهُمَّ إنِّي أشهد أنَّ مُحمَّدًا رسولُ اللهِ وأنَّ عليًّا وليُّ اللهِ فثبتني عليها يوم تَزِلُ الأقدامُ.