ataba_head
banarlogo

البعث وتصفية معارضيه في الخارج.. تاريخ حافل بالإجرام

البعث وتصفية معارضيه في الخارج.. تاريخ حافل بالإجرام

 

أ. د. حسين الزيادي

 

اقترن اسم جهاز المخابرات العراقية قبل 2003م بالرعب، والخوف، والرهبة، إذ كانت أياديه الاجرامية تطال من تشاء وفي الوقت الذي تشاء، وليس أدل على ذلك من اغتيالهم لرئيس الوزراء العراقي الأسبق عبد الرزاق النايف عام 1978م في قلب العاصمة البريطانية لندن، واستطاع هذا الجهاز الذي يعدّ أكثر الأجهزة الدموية في ضمن سلسلة المؤسسات الأمنية من تصفية المعارضين للنظام في خارج العراق وبطرق وحشية مختلفة، فالبعض يختطفون ويجلبون للعراق، وآخرون يُرمون من أعلى العمارات، والبعض تُقطّع جثثهم، وآخرون يقتلون غرقاً او عن طريق السموم، وكانت السفارات العراقية في بعض الدول الأوربية ترسل صناديق خشبية تحتوي على جثث لمعارضين أكراد وعرب يتم اختطافهم وتشحن الصناديق إلى مطار بغداد بوصفها تحتوي أثاثا تخص الدبلوماسيين البعثيين، ونقل عن المجرم برزان التكريتي حين كان بمنصب رئيس المخابرات قوله : يكفينا فخراً إن المعارض الموجود في واحدة من مقاهي باريس أو براغ، عندما يحاول أن ينتقدنا سيلتفت يميناً أو شمالاً خوفاً من وجود ضابط مخابرات عراقي بجانبه.

وفي خضم تلك المعاناة وهذه القسوة بات الخلاص من حكم الطاغية بالنسبة للعراقيين حلماً بعيد المنال، بل هو أشبه الخيال، ولسان حاله يقول : إذا كانت أيدي البعث تطال من هو خارج الحدود فكيف بالشعب الذي لا يمتلك حولاً ولا قوة .

ولا يتسع المجال لذكر الشخصيات التي طالتها يد النظام في الخارج، فالقائمة تطول والأحداث تتنوع، وطرق الاغتيال تتفاوت وتختلف، لكننا نورد على سبيل المثال لا الحصر قائمة تضم بعض الشخصيات التي جرى اغتيالها أو خطفها على يد مخابرات نظام البعث:

  1. مقتل الدكتور توفيق رشدي في عدن – جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية عام 1978م، وهو بروفسور عراقي، وصل (عدن) أواسط السبعينات ليعمل استاذاً في جامعتها، وبعد عملية الاغتيال اتخذ القتلة من السفارة العراقية في عدن ملجاً لهم، فتمت على أثر ذلك دعوة كافة أعضاء السلك الدبلوماسي الموجودين في عدن وبضمنهم السفير العراقي الى مبنى وزارة الخارجية اليمنية الجنوبية، وفي الوقت نفسه حاصرت قوات يمنية جنوبية مبنى السفارة العراقية ولما امتنع الجناة عن الخروج من مبنى السفارة، أطلقت إحدى الدبابات قذيفة واحدة نحو مبنى السفارة العراقية، مما اضطر المطلوبون إلى الخروج ورفع رايات بيضاء معلنين عن تسليم أنفسهم وفي بغداد ثم طرد الطلاب اليمنيين كافة من الجامعات والمعاهد العراقية .
  2. اغتيال السيد حسن الشيرازي في بيروت عام 1980م، عند مغادرته للفندق الذي كان يقيم فيه أثناء وجوده في بيروت قاصداً مدرسة الأمام المهدي الدينية للمشاركة في مجلس الفاتحة الذي أقامه سماحته بمناسبة شهادة السيد محمد باقر الصدر وشقيقته الفاضلة بنت الهدى، إذ اندفعت سيارة مسرعة إلى الامام واعترضت سيارة الاجرة التي كان سماحته بداخلها، فاضطر السائق الى تخفيف السرعة، وعلى الفور حاصرت سيارتان أخريان سيارة الأجرة من الجانبين بينما كانت السيارة الرابعة تراقب الوضع عن كثب، عندها انهمرت طلقات الرصاص باتجاه الشهيد الذي كان يجلس في المقعد الخلفي من الجانب الأيمن للسائق واخترقت الرصاصات زجاج السيارة وأصابت الإمام الشهيد إصابات مباشرة، والشيرازي رجل دين ومفكر شيعي ولد في مدينة النجف الاشرف عام 1938م، ومن العناصر المؤثرة في الوسط الاجتماعي والحوزوي.
  3. اغتيال العلامة السيد مهدي الحكيم في السودان بينما كان يشارك في المؤتمر الثاني للجبهة الوطنية الاسلامية في الخرطوم عاصمة السودان، وقد أعترف وزير الإعلام السوداني فيما بعد بأن السفارة العراقية في السودان هي المسؤولة عن عملية الاغتيال، وقد كان السيد الحكيم نشطاً وفعالاً ولحماسه في العمل فقد كانت لديه علاقات وطيدة وعديدة مع العديد من الشخصيات الإسلامية في العراق وخارجه، والعلامة الحكيم هو نجل المرجع الاعلى السيد محسن الحكيم، كان مبدعاً في نشاطه وفعالياته.
  4. تم رميّ الدكتور اياد إبراهيم حبش، وهو من العلماء العراقيين، من الطابق السابع إلى الأرض قرب العاصمة الايطالية في تشرين الثاني 1986م، وبعد التحقيق تم الكشف أنه قتل برميه من شقته في الطابق السابع، حيث اقتحمت المخابرات العراقية شقته في إيطاليا وتم رميه من الطابق السابع فاستشهد في الحال، وقد اعترف رئيس المخابرات العراقية في تايلند بعد ذلك بمسؤولية المخابرات العراقية عن العملية.
  5. اغتيال الشيخ طالب السهيل التميمي في بيروت عام 1994م، وقد اغتيلَ السهيل برصاصتين من مسدس كاتم للصوت بمنزله في لبنان عام 1994م عندما كان في زيارة عائلية هنالك مع زوجته للتحضير لحفل زواج ابنته، وبقيّ الدبلوماسيون العراقيون الأربعة محتجزون في سجن رومية مدة 33 شهراً، حيث توفي أحدهم وهو خالد عودة الجبوري بتاريخ 29 يونيو/ حزيران 1995م، نتيجة انفجار في الدماغ في أثناء وجوده في السجن، وبعد مدة أصدر قاضي التحقيق في بيروت، وليد العاكوم، قراره الظني بعدم الاستماع الى الدعوى بحق الدبلوماسيين العراقيين الثلاثة المتبقين، لتمتعهم بالحصانة، وبعد عام 2003م ‎أصدرت المحكمة الجنائية العراقية العليا حكماً بالسجن المؤبد بحق السفير العراقي في لبنان عوض فخري المدان بالاشتراك في عملية اغتيال السهيل عام 1994م، ‎وكان بيان صادر عن المركز الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى أوضح أن فخري أعترف في مرحلة التحقيق باشتراكه في عملية الاغتيال، وإن دوره كان إخفاء الأسلحة التي نُفذت بها العملية في العاصمة اللبنانية بيروت، ‎وأشار البيان إلى أنه تم تصديق اعترافات عوض فخري يوم 2018/12/04م وهي اسرع محاكمة في العراق، ولفت البيان الانتباه إلى أن المحكمة وجدت في الادلة المتوفرة كفايتها لإدانة المتهم على وفق أحكام المادتين 12/15 من قانون المحكمة الجنائية العليا، ‎واتُّهم فخري الذي كان قائما بأعمال لسفارة وأحد عناصر المخابرات العراقية وعضو فرقة في حزب البعث بتسهيل عملية هروب المتهمين عن طريق إخفائهما في صندوق السيارة الدبلوماسية، وقصد السير باتجاه مطار بيروت الدولي لتمكينهما من الهروب، لكن تمت متابعته من قبل الأمن اللبناني وضبطه والقبض على المتهمين.