نتاج التخاذل والتهاون

نتاج التخاذل والتهاون

 

بقلم: سالم مشكور

 

 

أن تمجّد بعهد صدام وأنت مواليد التسعينيات، ولم ترَ شيئًا من ويلات تلك المرحلة، يعني أنك ضحية جهلٍ وثقافة يجري ترويجها وسط السذّج، أو تكون ابن بعثي أو منتمٍ إلى البيئة الاجتماعية المستفيدة من ذلك النظام.

لكن أن ترفع صورة صدام، وفي احتفال كبير وموثق بالتصوير فهذا يعني أنك، أو وراءك صلف وتطاول على دماء مئات آلاف الضحايا، بين معدوم ومقتول في السجون أو في إحدى الحروب العبثية، التي شنها ذلك المجرم، شرقاً وجنوباً.

هذا الصلف لم يكن ليطفو إلى السطح، لولا التهاون الذي تعامل به ضحايا ذلك النظام ممن يشكلون الغالبية العظمى من جسم النظام السياسي الحالي، حيال أتباع ذلك النظام والمعادين للوضع الحالي، سواء لأسباب سياسية أو طائفية.

في ألمانيا، وبالرغم ما يقرب من الثمانين عاماً على سقوط النازية، ما زال قانون حظر النازية يطبق بصرامة. مجرد وضع إحدى شارات النازية يعرّض صاحبه لعقوبات شديدة من حبس وحرمان من حقوق. أما ترويج الفكر النازي أو مديحه فهو جريمة لا يتهاون القضاء معها أبداً.

الحظر والملاحقة يشملان حتى الآن كل منظمة أو تشكيل يشم منه الاستلهام من أفكار النازية.

وفي العراق وبعد عقد ونصف من سقوط نازية البعث، صدر قانون تجريم البعث ليأخذ مكانه في رفوف القوانين التي صدرت ولم تنفذ.

نعم بدأ تنفيذه جزئيا، وكانت هناك دائرة خاصة به في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، تقوم بالشكوى ضد من يشيد أو يمتدح أو يروج للنظام السابق، لكن هذه الدائرة اضمحلت خلال مرحلة الكاظمي سيئة الصيت، وتحولت إلى قسم صغير لا يقوم بأي نشاط.

في ألمانيا، ما زالوا يبررون هذه الإجراءات الصارمة، ضد من يرفع شارة أو حتى قيامه بإيماءة التحية المعروفة للنازيين، بأنها ضرورية للاحتفاظ بذاكرة الفظائع، التي ارتكبتها النازية بحق المانيا ومصالحها لتجنب تكرارها.

هناك من يطرح قضية حرية الرأي والعقيدة، لكن أغلبية الألمان يرون هذا الحظر جزءاً من عملية تعزيز الوعي بالتاريخ، لمنع انتشار الفكر النازي بما يحمله من كراهية وتطرف، لا يمكن التهاون أمامها أبداً.

هم يعدَّون أن حظر الرموز النازية يمثل التزاما بالتعلم من الماضي، ومنع تكرار الأخطاء، التي حدثت فيه، خصوصا أن الفكر النازي يتعارض تماماً مع مجتمع يقوم على الديمقراطية وحقوق الإنسان.

عندنا، يقوم اتباع النازية البعثية بالاستنفار بوجه من يتحدث عن وحشية المرحلة السابقة، ويوجهون له شتى التهم أبسطها «العيش في الماضي وعدم التطلع إلى المستقبل» يؤازرهم وينسجم مع موقفهم هذا كثير من الجهلة، الذين يرددون كالببغاوات أقاويل مثل «صدام والبعث ذهبا وانتهيا»، فيما المغرضون يقولون «صدام يرعبكم من قبره»، من دون أن يعلموا أن مقولتهم هذه تنطوي على اعتراف بوحشية صدام، الذي كان يرعب بجرائمه، بدلا من أن يكسب محبة الناس بحسن سياسته.

في ألمانيا يجري تدريس جرائم النازية للطلبة في جميع المراحل، لكي تبقى ذاكرتهم متحفزة ضد عودة ما يشبه النازية، وعندنا جرى الإعلان عن إدخال مادة جرائم النظام السابق ضمن المقررات الدراسية في كل المراحل، لكن التنفيذ يواجه كوابح وعراقيل يضعها بقايا ذلك النظام الذين تلبسوا بعنوانات جديدة، أو ينتمون إلى البيئة الاجتماعية، التي أنتجت صدام ودافعت ولا يزال أغلبها يدافع عنه.

واحدة من الجرائم المنسوبة للنازية في المانيا هي محرقة اليهود المعروفة بالهولوكوست. وبغض النظر عن حجمها الحقيقي فإن أسر الضحايا جعلوا من تلك الجريمة معلماً شاخصا، وأقيمت لذلك النصب، والتماثيل، والمتاحف، التي يؤمها الناس ليطلعوا على ما فيها من تفاصيل عن المحرقة.

في العراق عشنا محارق بشرية، وموتا، وبطشا بقساوة لا توصف. تعذيب وتقطيع أوصال وإذابة في الأسيد أمام ذوي المعتقل، وتهجير وحروب أكلت مئات الآلاف وووو.. إلخ. لكن أيَّاً من هذا لم يجر توثيقه وتخليده، ليُبِقي ذاكرتنا حيّة ويمنع تكرار ما حدث على يد أي كان.

وضع طالبة شابة لصورة المقبور على قبعة تخرجها ليس حالة عابرة، إنما هي جزء من تَوجُّه صاعد بفعل سكوت المعنيين وتهاونهم، الذي إن استمر فإن القادم سيكون أكثر صلافة وسوءاً.