عندما يتحول الضحك إلى جريمة.. النكتة السياسية في زمن البعث..
أ. د. حسين الزيادي
النكتة كما عرفها الفيلسوف الفرنسي (هنري برجسون) هي محاولة قهر القهر، وهي تعبير ضمني عن القمع والاستبداد الذي تتعرض له الشعوب والمجتمعات، وبذلك تكون النكتة السياسية سلاحاً فتاكاً تواجه به الأغلبية المستضعفة (التي لا حول لها ولا قوة) الأقلية المستبدة الحاكمة، فهي بلسم الشعوب المضطهدة، ومن الجانب الاجتماعي تعدّ النكتة فن من فنون الموروث الشعبي ومرآة عاكسة لمعاناة المجتمع لارتباطها اليومي والمستمر بحركته الثقافية، والسياسية، والاقتصادية.
في زمن البعث أصبحت النكتة التي تطال النظام ورموزه من الجرائم الكبرى التي لا تغتفر وكان الحكم عليها يصل إلى الإعدام اذا مست هرم السلطة، والوقع ان النكات لدى العراقيين في زمن البعث تعدّ مؤشراً على ارتفاع درجة الغليان الشعبي والرفض لسلطة القرية وسياسة القمع وتكتيم الافواه، وأصبحت السخرية من رموز البعث وهرم السلطة وسيلة لتضميد الجراح لأنه لا يمكن الجهر بالمعاناة، فالنكتة تعطي مساحة واسعة للتعبير الضمني، وعندما تشتد أوجاع العراقيين وتطحنهم الأزمات، يهرعون إلى نسج النكات الساخرة واللاذعة التي تنم عن (الحسجة العراقية) في محاولة لإعادة التوازن النفسي والتنفيس عن المكبوت، والتقليل من قسوة المتاعب والأزمات.
ومن المتعذر الوقوف على الأعداد الحقيقية لمن تمت تصفيتهم بسبب النكتة السياسية، لكن على سبيل المثال لا الحصر نذكر حادثة إلقاء القبض على الشابة سعاد كاظم علي عودة الكعبي من سكنة بغداد – منطقة الكريعات وكان ذلك بتاريخ 1985/12/07م بتهمة إطلاق النكات السياسية والتي عدّها البعث معادية للرئيس المقبور صدام، وقررت رئاسة محكمة الثورة الحكم عليها بالإعدام شنقاً حتى الموت بتأريخ 1986/5/22م ومصادرة أموالها المنقولة وغير المنقولة، وقيل إن ثلاثين شخصاً تم اعدامهم بسبب هذه الحادثة.
إنّ قانون العقوبات العراقي في المادة 225 ينص على: (عقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس على من أهان بإحدى طرق العلانية رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه)، لكن هل يعد تداول النكتة السياسية وسط الأصدقاء إهانة، وهل تداول النكتة بين الأهل يعد من طرق العلانية، وحتى لو افترضنا جدلاً انها إهانة وإنها مورست بشكل علني، فهل من العدالة أن يتم إنهاء حياة أشخاص لمجرد أنهم تداولوا نكتة وضحكوا من سماعها، وهذا خرق لدستور جمهورية العراق لسنة 1970م المؤقت وتحديدا المادة 21/ب، كما إن نظام البعث قد انتهك القانون الوطني قبل أن ينتهك التزاماً دولياً, فالمادة 156 تنص على ( يعاقب بالإعدام من ارتكب عمداً فعلاً بقصد المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة اراضيها) وإنّ إطلاق النكتة وإن كانت سياسية لا علاقة له باستقلال البلاد ولا وحدتها وسلامة أراضيها، فضلا عن أن العقوبة تتعارض مع التزام دولي للعراق بموجب العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وتحديداً المادة 19 منه.
وبحسب قانون العقوبات العراقي لا تقع النكتة السياسية في ضمن ما يسمى الجرائم السياسية التي كانت محكمة الثورة أو المحاكم الخاصة الدائمية أو الوقتية تنظر فيها وكانت قراراتها باتة ولا يجوز الطعن فيها، فضلاً عن كونها في كثير من الأحيان معدة مسبقاً في ضوء الرغبات والمزاج النفسي لهرم السلطة الحاكمة، وتعرف الجريمة السياسية وفق قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969م المادة (21) بأنها الجريمة التي ترتكب بباعث سياسي أو تقع على الحقوق السياسية العامة أو الفردية وفيما عدا ذلك تعدّ الجريمة عادية.