الغاية لا تبرر الوسيلة
قراءة في فلسفة الفكر المتطرف
أ.د. حسين الزيادي
تعد قاعدة – الغاية تبرر الوسيلة- من القواعد المهمة التي يرتكز عليها الفكر التكفيري المتطرف، وإن لم ترد بالمصطلح نفسه إلا أن لها المعنى نفسه، وهي قاعدة فاسدة باطلة لا نصيب لها من الصحة، وقد زهقت تحت لواء هذه المقولة الكاذبة أرواح مئات الآلاف من الأبرياء والعزل، فالوسائل من الناحية الشرعية والأخلاقية والقانونية لها أحكام المقاصد نفسها، فاذا كان المقصد سيئاً فإن الوسيلة تكون سيئة أيضاً بل ممنوعة، والمقاصد إذا كانت حسنة فلا يجوز أن يتوصل إليها الإنسان إلا بوسائل مشروعة ومباحة يستحسنها العقل وتتقبلها النفس البشرية، وقد قيل في الجانب القانوني لئن يفلت ألف مجرم من العقاب خير من ان يدان بريء واحد ولئن يسرف الامام في العفو خير من ان يسرف في العقوبة.
وتطبيقاً لهذا المبدأ فقد صرح زعيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي في مارس من عام 2004م: (إن الله تبارك وتعالى أمرنا برمي الكفار، وقتلهم وقتالهم بكل وسيلة تحقق المقصود، وهو ما أصطلح على تسميته بـالقتل بما يعم، وإن أفضى ذلك إلى قتل عدد منً المسلمين ممن يقدر وجودهم في مكان القتال لسبب أو لآخر، أو مع عدم القدرة على تجنبهم والتمييز بينهم وبين المقصودين من الكفار الحربيين، فإذا كان قتل المسلم مفسدة فإن الوقوع في هذه المفسدة جائز ومباح، بل متعين لدفع الضرر الأكبر)، ولهذه القاعدة أيضاً فقد دعت رسائل الزرقاوي في الأعوام 2004 م و2005 م على ضرورة ضرب السنة بالشيعة من أجل أن يصح الطرف الأول ويضعف الطرف الثاني، وأن الوسائل كلها متاحة لتحقيق هذا الغرض، فالهدف هو خلق الفتنة حتى لو تطلب الأمر إزهاق أرواح الأبرياء.
يتكئ الفكر التكفيري المتطرف في إجازته لهذه القاعدة على تراث ديني ضال ومنحرف، إذ يقول ابن تيمية في ذلك وهو من المراجع الفكرية التي يعتمدها الفكر التكفيري المتطرف في كتابه التترس في الجهاد/ المجلد الاول/ الصفحة الثالثة: أن الكفار لو تترسوا بالمسلمين جاز رمي أولئك المسلمين أيضا لتحقيق الهدف الأسمى وهو ضرب الكفار.
في العصر الحديث تبنى هذا المبدأ الفيلسوف الإيطالي نيكولو مياكافيليى في القرن السادس عشر، حيث يعتقد أن صاحب الهدف (الحاكم) باستطاعته أن يستخدم الوسيلة التي يريدها أياً كانت وكيفما كانت دون قيود أو شروط، فكان هو أول من أسس لقاعدة الغاية تبرر الوسيلة، وتأسيساً على ما تقدم عدتّ هذه القاعدة الانطلاقة الأولى التي ينطلق منها كل حزب ديكتاتوري او جماعة متطرفة، حيث يضعها نصب عينه ويتبناها لتبرر له القمع والاستبداد وممارسة الطغيان والفساد الأخلاقي، ويرى مياكافيلي ضرورة استخدام العنف والقوة من قبل القائد السياسي مبررا ذلك بأنه يولد الخوف، والخوف أساسي من أجل السيطرة على الشعوب -حسب اعتقاده- وإن الغاية هي تحقيق الأمن والاستقرار.