داعش والموصل: تدمير تاريخ حضاري عريق
كرار تويج
عندما احتلت داعش مدينة الموصل في محافظة نينوى وأعلنت دولتها المزعومة ومقر خلافتها، بدأت بتدمير حضارة هذه المدينة، فقد قام تنظيم داعش الإرهابي باستهداف هوية المدينة وأماكنها المقدسة بل حتى ثقافتها التي تعاقبت شعوب وأمم على تشييدها طيلة قرون مضت، فقد استهدفت داعش كافة الاشكال الحضاريّة القديمة في مدينة الموصل، من تدمير معالمها وتهديم تماثيلها، وإزالة كامل مدنها الأثريّة والحضاريّة ، في محاولة لِطمسِ الهُـوِيّةِ الحضاريّة لتلك الشعوب ومسح تأريخها باعتبارها مخالفاً شرعياً وهي تنظر إلى هذه التماثيل على انها تعبد من دون الله!
حيث قالت المرجعية الدينية العليا على لسان ممثلها خلال خطبة صلاة الجمعة بتاريخ 2 آذار 2015 “إن ما قامت به عصابات (داعش) الإجرامية من تدميرٍ وتخريبٍ لآثار مدينة الموصل ومتحفها الوطني دليل آخر على مدى وحشية هذا التنظيم وعدائه للشعب العراقي ليس لحاضره فقط وإنما لحضارته الضاربة في القدم ومستقبله”
ففي 24 تموز ٢٠١٤ وبعد أيام من احتلال داعش مدينة الموصل دمر التنظيم جامع النبي يونس وهو موقع ديني مهم في الموصل الذي كان رمزا للتعايش الإسلامي والمسيحي بحجة أنه أصبح مكاناً للمرتدين وليس للعبادة، وفي ٢٦ فبراير ٢٠١٥ بعد سنة تقريباً من احتلال المدينة من قبل الجماعات التكفيرية نشر التنظيم فيديو يُظهر دخول تنظيم داعش متحف الموصل بهدف تدمير القطع الأثرية التي اعتبروها “وثنية”، حيث ظهر في الفيديو اعضاء تنظيم داعش الارهابي وهم يطرحون التماثيل الاثرية ارضاً محاوله لتدميرها حاملين بأيديهم مطارق خفيفة ومثاقب كهربائية، وبحسب تصريح مدير عام دائرة التراث في وزارة السياحة والآثار العراقية “أن داعش قام بتهريب وبيع عدد من التماثيل الفخارية والنقوش الخشبية وآثار قيمة أخرى خارج العراق، وأن عناصر التنظيم قاموا بعملية نهب ممنهج لمقتنيات المتحف، وأن كل أثر تم تدميره في الفيديو ليس أصلياً”.
لم تكن التماثيل الاثرية والاضرحة الوحيدة المستهدفة من قبل هذا التنظيم الإرهابي، بل حتى المدن الاثرية لم تسلم أيضاحيث قام التنظيم بتدمير وجرف مدينة نمرود الآشورية الأثرية الواقعة في جنوب الموصل ففي ١٧ تشرين الثاني ٢٠١٦، نشرت داعش تسجيلاً لفيديو آخر يظهر الدمار الذي لحق بهذا الموقع والمواقع الاخرى مثل خورسباد، والحضر ..الخ حيث قام ايضا بنقل بعض اثار المواقع الأثري بواسطة شاحنات قبل تدميرها بأيام حسب مصادر عراقية في وزارة الاثار والسياحة.
وفي ١٧ حزيران ٢٠١٧ وأثناء تقدم أبطال جهاز مكافحة الإرهاب غرب مدينة الموصل وتحقيقهم الانتصار الساحق على فلول عصابات داعش الإرهابية، وعند وصولهم بمسافة قريبة من جامع النوري الذي أعلن منه زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي قيام دولة الخلافة الارهابية المزعومة أقدمت عصابات داعش الإرهابية على ارتكاب جريمة تاريخية أخرى وهي تفجير جامع النوري ومئذنة الحدباء التاريخية، فضلا عن العديد من المعالم التاريخية والدينية الأخرى التي لا يعتبرها هذا التنظيم الإرهابي متماشية مع التقاليد الإسلامية، فوفقا لمعتقدات داعش فأن زيارة الأضرحة وتبجيل المقابر هو ضد أصول الإسلام!
هدف تنظيم داعش الارهابي القضاء على التراث الثقافي ووضع تصورهم للعقيدة مكان هذا التراث الذي يحاولون ازالته لصالح تصورات خاطئة عن مفهوم الإسلام كما يظهر هذا في موقفهم من الفنون عامةً بهدم الآثار والتماثيل التي أصبحت ارثاً عن الماضي والأضرحة، حتى لو كانت لأنبياء أو أولياء صالحين.
والسؤال هنا “إذا كان هذا التنظيم الإرهابي يدعي تطبيق الإسلام فلماذا لم يحطم هذه التماثيل الصحابة الذين فتحوا العراق ؟”
إن هدم الرموز التاريخية والدينية والاثرية للعراق والهجمات البشعة على الموصل يُظهر الدليل الذي لا يمكن إنكاره على الحرب ضد الحضارة حربٌ تُدمر الماضي التاريخي والثقافي للعراق.