ataba_head

عائلتي في السجن

عائلتي في السجن

د. حسنين جابر الحلو

 

    المفروض أنّ الطفل في سنواته الأُولى يكون مهيأ لاستقبال الحياة، من خلال العيش في جو ملائم لتطوره وتعلمه، وتوفير أسس التعامل الإنسانية والعقدية له.

    أما في طفولة العراق ولاسيما في زمن النظام المباد قصة كبيرة بحاجة إلى توضيح لمعرفة كيف عاش الأطفال وبأيّ ظروف قاهرة مروّا، بعض الاطفال ولد سجيناً، بقي السجن مسيطر على حياته في داخل الأسرة والشارع والمدرسة، ليولد الخوف منتظماً في الحياة، ويتطور إلى فوبيا مركزية عند العامة والخاصة، وعندها تتضح هذه التطورات من المجتمع إلى الأطفال وبدائرة محكمة من قبل المسيطرين عليها، فهل نستطيع ايقاف الخوف من فرض الدائرة؟ على الرغم من الامكانيات القليلة في المواجهة حينها بسبب تكميم الأفواه وسد الطرق، مما سبب بعدها قلقا كبيرا في ان يسري الخوف إلى الاجيال القادمة؛ لأن السلطة حينها تستخدم الضغط والترهيب من جهة، ومن جهة اخرى بالضغط والتهجير، وثالثة بالضغط والاقصاء، وجميع هذه الضغوطات تُغيّب الحالة الطبيعية للإنسان في عيشه اليومي.

    ومن هنا، اتحدث عن ساعات عصيبة من طفولتي، حيث السجن هو المتنفس الوحيد لزيارة بعض من عائلتي، والآخر نسمع عن أخباره، والثالث تحت التراب ولا تراب لبعضهم.

    في ساعات الفجر في صبيحة أحد الايام التي يسمح فيها لزيارة السجناء، ذهبت مع والدتي إلى سجن أبو غريب لزيارة جدي لوالدتي بعد انْ نفذوا حكم الإعدام بإخوانه وأبناء أخيه الثلاثة وابنه، ولم نحصل حينها على اذن للزيارة، وذهبت زيارتنا ادراج الرياح؛ لان السجناء السياسيين محجوبون عن اهلهم حتى يأذن الحاكم بقتلهم، ولا ذنب لهم الا أنهم من اتباع أهل البيت “عليهم السلام”، وهكذا تطورت اساليب الممانعة من زيارة جدي، على الرغم من المحاولات المتتابعة من سجن إلى آخر ومن مركز إلى آخر.

    حتى سجنت جدتي لأُمي بعد سجن جدي وتفننوا بتعذيبها، وسجن خالي وخالاتي وجميع بيت جدي، عشنا حينها أيام من الصراع بين البقاء والفناء، الى ان قبض على والدي وغيب بين السجون لفترات مختلفة، ووالدتي والعائلة جميعا نبحث عنه من سجن إلى سجن، وفي مكاتب التسفير، ولا خبر عنه، وفي لحظة من لحظات دخولنا في مديرية أمن النجف نبحث عن والدي الشهيد رحمه الله، لحظنا مجموعة من الضباط يسألون ويتحرون عن وجودنا، ولو لا لطف الله بنا لكنا جميعا أطفال وعيال في السجن، وهكذا سارت أيام العائلة من سجن إلى سجن تنتقل بحثاً عن احبتها ونترقب من قد يخرج من السجن، حتى وصل الأمر إلى الإعدام لبعض أفراد العائلة، والحمد لله على نعمه الكبيرة أن جعلنا نتأسى بآل البيت حتى في سجونهم والعاقبة للمتقين ان شاء الله……