جريمة تجفيف الأهوار
صفحة من صفحات إجرام البعث
الباحث عبدالله خريبط رهيف
مرَّ علينا قبل أيام اليوم العالمي للأراضي الرطبة الموافق للثاني من شباط، والمقصود بالأراضي الرطبة هي كل أرض يُراد حمايتها من الضرر المُحتمل، مثل البحيرات، والانهار، والاهوار، والمستنقعات الموسمية والدائمية، وبمعنى أدق هي كل وسط تغمره المياه كلياً أو جزئياً أكان ذلك بصفة دائمة أو مؤقتة، وترجع جذور هذا اليوم إلى المعاهدة الدولية للحفاظ والاستخدام المستدام للمناطق الرطبة من أجل وقف الزيادة التدريجية لفقدان الأراضي الرطبة في الحاضر والمستقبل الموقعة في شمال ايران بمدينة رامسار، وسميت باتفاقية رامسار نسبة للمدينة في الثاني من شباط عام 1971م، التي دخلت حيز التنفيذ عام 1975م، ومنذ ذلك الحين اصبح ما يقارب من 90٪ من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أعضاء في تلك المعاهدة، وقد اعتُمد هذا اليوم كيوم عالمي للأراضي الرطبة، وفيه يُنشر الوعي البيئي من أجل حماية المستنقعات وبالخصوص الأهوار لما تتضمنه من تنوع بايولوجي واحيائي يضم أنواعاً من الطيور المتوطنة والمهاجرة واصنافاً متعددة من الأسماك وبعضاً من الكائنات الحية المهددة بالانقراض، فضلاً عن كونها تُمثل المتنفس للمستديرة الخضراء والرئة الحقيقية الطبيعية المحاربة للاحتباس الحراري.
تتكون الأهوار الجنوبية العراقية من إلتقاء نهري دجلة والفرات في جنوب العراق وبالتحديد المناطق المحاذية للجارة ايران، وتمتد مساحتها بين ثلاث محافظات هي البصرة وميسان وذي قار، وتُعد هذه الأهوار من أكبر الأنظمة البيئية في الشرق الأوسط، فضلاً عن كونها من المناطق الفريدة التي تحمل إرثاً تاريخياً قلَّ نظيره، إذ كانت موطناً للسكان الأصليين السومريين منذ آلاف السنين.
وقد مثلت جريمة تجفيف الأهوار من قبل النظام الصدامي الإجرامي أسوأ الجرائم والكوارث البيئية التي شهدها العصر الحديث، ففي ربيع عام 1991م شنَّ نظام البعث المجرم حملته الطائفية الشعواء بقيادة المجرم علي حسن المجيد التي شملت تجريف المساكن البدائية وحرق القصب وتهجير الالاف من ساكني الاهوار بحجج واهية، فتارةً يسمونهم (الغوغاء) نسبة للمحافظات المنتفضة على نظام الحكم الإجرامي البعثي، وأخرى ينفون جنسيتهم العربية ويتهمونهم – باعتبارهم شيعة – بانهم نزحوا من الهند، إلى أن وصل الحال بالبعث المجرم اتهامهم بالمعتقدات المُنحرفة والآراء الضالة كاتهامهم بالسجود لغير الله، ممّا يُمثل انتهاكاً للإنسانية، وحرية المعتقد، ويخالف جميع العهود والمواثيق الدولية.
شملت هذه الحملة الاجرامية المنسقة والدالة على عدوانية السلطة البعثية المُستبدة تجفيف الاهوار على عدة مراحل:
الأولى: إنشاء سدود ترابية على ضفتي نهر الفرات تبدأ من منطقة المدينة مروراً بالجبايش بطول 145كيلو متر الغاية منها قطع الأنهر التي تصب في هور الحّمار.
الثانية: انشاء سدين ترابيين يقطعان جميع انهار وروافد أهوار العمارة حتى لا تصل المياه اليه بطول 90 كيلو متر لكل سد ممّا ادى إلى انقطاع مياه 40 نهراً ورافداً عن تلك الأهوار.
الثالثة: تجزئة المناطق الداخلية في الأهوار من خلال السدود الترابية بين القرى المتجاورة .
وقد كان المبرر الأبرز لتلك الجريمة هو استخدام أهوار الجنوب غطاء لإيواء معارضي السلطة والموالين لإيران الذين يسعون للإطاحة بالسلطة.
ولم يكتفِ النظام الاجرامي الصدامي بمحاربة المواطن العراقي، بل إنَّ الطبيعة الجغرافية والأحيائية في بلاد الرافدين نالت حصتها من ظلم البعث.
إن تدوين التاريخ المُشرف والقصص الجهادية لمن قارعوا النظام القمعي السابق في تلك المنطقة من المجاهدين الذين رسموا بدمائهم طريق الحرية لبلاد الرافدين هو واجب تاريخي واستحقاق وطني.