أساليب التعذيب والجريمة البعثية
جريمة التعذيب والإعدام بنفخ البطن ح23
الأستاذ المساعد الدكتور
رائد عبيس
باحث في المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف
تبقى جرائم البعث ماثلة في الذاكرة العراقية، وتحكي قصة ألم بليغ لا يشعر به إلاّ من قاسى تجربة هذه الجرائم المُرة، ولا يعي تأثيرها الا من تعمقت الإنسانية في ضميره، وامتلك وجدانه الرحمة. فكانت طبيعة تلك الجريمة القاسية، وهي جريمة (نفخ البطن) نابعة من الطبيعة الإجرامية لمُبتكرها، أو فاعلها، أو الآمر بها، ومن استحسنها لتعذيب ضحاياه. وتعد واحدة من مئات أساليب التعذيب البعثية، ومن أكثرها غرابة ووحشية.
السؤال الذي ممكن ان يطرح هنا، هو كيف فكر مجرمو البعث بهذه الوسيلة؟ وما مقدار الألم الذي تسببه هذه الوسيلة لضحاياهم حتى يختاروها لهم؟ لا شك في أنها تحدث ألما رهيباً في جسد الضحية، فكانت طريقة موت صادمة، فحجم الهواء الذي يُدفعُ إلى جوف الضحية يُسبب له ألماً كبيراً، وهو يشعر بأمعائه هي تمتلئ هواء يرتد أذاها على كل أجهزة الجسم الأخرى. ويصحب هذا الألم العضوي، ألما نفسيا كذلك، نتيجة اعتداء عناصر البعث الاجرامية على حرمة جسده وعفته، فالضحية ينظر لهؤلاء القتلة بألم كبير، وهم يدخلون في فتحته الشرجية فوهة جهاز ضاغط الهواء، المعروف باسم (البم) وقد يكون كمبريسور هواء ليكون ضغطه القوى أكثر وقعاً، وأسرع إنجازاً في حسم موقف الضحية ليكون في عداد الموتى سريعاً، بعد تمزق أحشائه وانفجار بطنه. أو تنفخ بطن الضحية وتُعَبأ بالهواء يُتَركَ يكابد الألم الشديد جرآء ذلك.
تذكر شهادات الشهود لهذه الجريمة، أنَّ صوت انفجار البطن نتيجة نفخها بالهواء، كان قوياً جداً، وانتشار أجزاء من جسم الضحية، يأخذ مساحات كبيرة من المكان الذي تنفذ به. ملطخة ما حولها باللحم والدم.
نفذت هذه الجريمة بمعارضين بارزين للنظام البعثي القاتل، منهم رجال دين، وسياسيين، وأصحاب رأي. السؤال المستحق هنا، هو كيف اختار عناصر البعث هذه العقوبة؟ هل بحسب نوع التهمة وخطورتها، أم تمَّ اختيارها بطريقة ارتجالية، بحسب ما توافر لديهم من أدوات تعذيب؟
ومن الجدير بالذكر أن هذا النوع من العقاب البدني والنفسي، والإعدام بهذه الطريقة، لم يكن شائعاَ كثيراً، وهي طريقة نادراً ما لجأ إلها جلادو البعث، قياسا مع أساليب الإعدام والتعذيب الأكثر شيوعا لديهم والتي أشرنا إلى أنواع كثير منها في مقالاتنا السابقة.
وإذا قدمنا جوابا على ما تقدم من اسئلة، نُرجح الرأي في انها طريقة استعملت لتعذيب فئة معينة من المعتقلين، خاصة من أولئك الذين يراد تسليم جثامينهم إلى اهاليهم. ولعلها طريقة موصى بها بالاختيار – لهذا السبب- من قبل جلادي البعث المجرم من ضباط تحقيق وسجانين. ولا أرى أن عناصر البعث القاتلة وقياداته، هم بحاجة إلى تبرير، أي فعل إجرامي، لأنهم تغولوا شرا على كل الشعب العراقي، فكيف بمن وقع بين أيدهم معتقلاً ومتهماً وخصيماً؟ لا شك في أن هذه الجريمة البشعة قد اختبرت لترسيخ قدرة البعث على الإجرام في قناعات المجتمع، حتى يقطعوا دابر المعارضة، والمواجهة، والاعتراض على سياسة البعث ونهج حكمه.