ataba_head
banarlogo

التبعية بوصفها مفهوماً ازدرائياً لدى سلطة البعث

التبعية بوصفها مفهوماً ازدرائياً لدى سلطة البعث

 

أ.م.د. نصير كريم كاظم

باحث في المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف

العتبة العباسية المقدسة

اتجهت سلطة البعث منذ تسنمها مقاليد الحكم بَدء المحاولات لمحو كل ما من شأنه الإشارة لمفهوم التشيع وإن كان في معناه المقتصر على الطقسي أو الثقافي، فبغداد حينها أقرّت ولو إجمالاً بوجود حقوق للأكراد في شمال العراق ومنحتهم على وفق ذلك حكماً ذاتياً باتفاق اذار لسنة 1974م، لكن مثل هذا الإقرار كان مستحيلاً على أهل الفرات الاوسط والجنوب بسبب تبعيتهم الإيرانية حسب نظر السلطة.

ويرجع مصطلح التبعية إلى ما بعد تأسيس الدولة العراقية 1920م، إذ كان قبل ذلك يقسم سكان العراق على قسمين: الأول حمل جنسية عثمانية ويسمى (تبعية عثمانية)، والثاني حمل الجنسية القاجارية الحاكمة لإيران ويسمى (تبعية إيرانية) التي مَنْ يحملها يُعفى مِنَ التجنيد الإلزامي في الجيش العثماني، وهو ما دعا الكثير من العرب والكرد الفيليين لتسجيل أنفسهم تبعيه إيرانية لكيلا يشموا بخدمة الجيش.

ومع صدور قانون الجنسية العراقية رقم42 لسنة 1924م عَدّ في فقراته ضمناً أنَّ حامل شهادة التبعية العثمانية من أبناء السنة مواطن من الدرجة الأولى، وحامل شهادة التبعية الإيرانية الذين هم في الغالب من العرب الشيعة والأكراد الفيليين مواطن من الدرجة الثانية، على الرغم من كونهم مواطنون عراقيون عاشت أصولهم في العراق منذ مئات السنين، وبعد انقلاب 1963م صدر قانون 43 لسنة 1964م القاضي بمنح وزير الداخلية حق منح واسقاط الجنسية، وعند تسنم البعث مقاليد السلطة عام 1968 تم بموجب قانون43 تهجير الاف الاكراد الفيليين بسبب التبعية على الرغم من كون أصولهم عراقية، وعقبتها بعد ذلك حملات تسفير أخرى قامت بها سلطة البعث المباد، فالتبعية – بحسب نظر السلطة – تهمة جاهزة لكل من يشك بعدم ولائه للسلطة.

بيد ان النظام البعثي استخدم سياسة الإقصاء والازدراء تجاه طيف واسع من الشعب الذي يمثل أكثر من 60% من الشعب العراقي وبالخصوص المجتمع الجنوبي منه، ومحاربة وتعنيف كل ما من شأنه أن يعبر عن خصوصية شيعية أثني عشرية، وإدراجه ضمن مفهوم التبعية الايرانية والطابور الخامس والتآمر الاقليمي المحاك ضد السلطة الحاكمة.

ويبدو أن جذور ذلك الازدراء تعود بدايتها الى أوائل القرن السادس عشر، إذ كانت بغداد حينها مسرحاً مفتوحاً للمواجهة الضروس بين السلالة العثمانية والسلالة الصفوية، إذ كلما ظفرت إحداهما بسلطة بغداد كانت تنزل الويلات بالأخرى، ولما استقر أمر الحكم للعثمانيين استخدموا اساليب الظلم والتعسف على الطرف الآخر، وهو ما اعتمده الحكم الملكي منذ تأسيس الدولة العراقية 1920م-١٩٢١م، ففي حكومة ياسين الهاشمي عام ١٩٣٥م الذي يعتبر اكثر قيادات العهد الملكي عروبية كانت هنالك محاولة عديدة لمنع اقامة مواكب تعزية للإمام الحسين (عليه السلام) في محرم الحرام باعتبار المقيمين لها معظمهم تبعية إيرانية، ممّا نتج عنه بعض الانتفاضات لعشائر الجنوب خلال عامي ١٩٣٥م و ١٩٣٦م، ولعل في ذلك إشارة واضحة إلى أن التوتر المذهبي يبلغ ذروته مع كل تراجع نسبي ينتاب النزعة الوطنية باعتبارها مناوئة للتبعية في نظر السلطة.

ووفق ذلك أصبح حكم سلطة البعث منذ 1968م لغاية سقوط الصنم 2003م يزدري من الحضور الشيعي ويكتال له أنواعاً من الدسائس خلال مسيرته الدموية تحت عباءة التبعية.

ولم يتوانى النظام الصدامي عن محاربة الحياة الدينية والثقافية والطقوسية الشيعية، إذ قامت السلطة بإنشاء وزارة للأوقاف 1976م بعدما قرر مجلس قيادة الثورة المنحل تحويلها من ديوان إلى وزارة لإرجاع أمر ادارة شؤونها من قبل الحكومة، وعطلت حلقات الدرس الحوزوي، فضلاً عن منع أي مظاهر احتفال بالمناسبات الدينية الخاصة بأهل البيت (عليهم السلام) مريدين بذلك تقزيم الدور الشيعي، وكسر هيمنة مراجع الدين، مرجعين ذلك لامتدادهم التبعي لإيران.