ataba_head
banarlogo

أساليُب التَّعذيب والجريمة البعثية جريمة قطع الأصابع ح18

أساليُب التَّعذيب والجريمة البعثية

جريمة قطع الأصابع ح 18

الاستاذ المساعد الدكتور

رائد عبيس

لا نُريدُ أنْ نتحدَّثَ عن تاريخ هذهِ العقوبةِ الإجراميةِ في تاريخِ البشرِ قبلَ السُّلوك الإجراميِّ لحزب البعث، لأنَّ البشرَ قد اقترفَ صورًا مأساويةً من التَّعذيبِ الإجرامي والعقابي الَّذي يفوقُ التَّصور بحقِّ بعضهِ بعضا. فبينَ كونهِ سلوك بشري وبين مشاركة وتقليد سلوك الحيوانات المتوحشةِ، قصصٌ من صور الموتِ الرهيبِ والتعذيبِ البليغِ. أمَّا التَّعذيبُ المُميتُ، فهو موتٌ أكثرُ قسوةً من الموتِ نفسهِ، وصورةٌ بشعةٌ عن عمقِ الإرادةِ الشريرةِ الَّتي تَستَلِذُ بعذاباتِ الآخرين وآلامهم.

ارتكبَ حزبُ البعثِ جرائمَ كبيرةً، منها ما هو موثق بالكتب الصادرة عن دوائر نظامه، وبعضها ارتجالٌ شخصيٌّ لم تدخل في توثيقات إدانته، بل بقيت منها ذكريات شفوية في تجاربِ الأبرياءِ مع جلاديهِ.

وقد وردَتْ لشواهدِ هذه الجريمةِ، أي جريمة (قطع الأصابع) عِدَّةُ وثائقَ، وشهاداتٍ، بعضها عينيٌّ، ماديٌّ، مثلُ: جهاز (منكنة الأصابع)، أو شواهد ورقية تثبت ذلك، مثل: الوثيقة المرفقة في أدناه، أو شواهد عينية محسوسة، مثل: رؤية شخصٍ مقطوعَ الأصابعِ كلِّها أو أحدها. وبعضها الآخرَ غيُر ماديٍّ، مثلُ: التهديد بفعلِ هذه الجريمة بحقِّ الضحايا الأبرياءِ من المسجونينَ، والمُعتقلينَ، والمحبوسين.

 إنَّ قانون العقوبات العراقي لم يُشر إلى هذه الجريمة في أيِّ صورها، بوصفها جريمة تعذيب، فَيُعزز بها الإدانة الكاملة لحزب البعث، ورأس نظامه المجرم.

لقد تواترَ ورود هذه الجريمة بالنقلِ الإخباري الشفاهي عنها في زمن البعث، وقد ثَبُتَ وقوعها بعد سقوطه بالأدلةِ المادية الوثائقية المكتوبةِ والمحسوسةِ، وبالشهادة عليها، وبالإخبار وبالتبليغ عنها.

إنَّ لجريمة قطعِ الأصابعِ صوٌر مأساويةٌ كثيرةٌ، فجلادو الحزب القاتل، قد تفننوا في تنفيذ ذلك، والاستعداد له وتهيئته، فقاموا بجرائم قريبة من صورة التعذيب بقطع الأصابع المباشر عبر أدواتهم المختلفة في التنفيذ، مثل: قلع الأظافر، حرق الأصابع، جرح الأصابع، ورشها بالملح والحامض. اتلاف الأصابع بآلات تقطيع، مثل: المَثرمة، كهربة الأصابع. رش التيزاب عليها، تقريحها، وضع أعقاب السيجارة فيما بينهن وهكذا كانت تجري أغلب تلك الأساليب التعذيبية في هذه النوع من الجريمة، وهي كما أسلفنا مرتجلة، لم يأت بها أمر واضح أو توجيه دقيق، بل تتركُ أساليبُ الإجرامِ منقادةً لنزعةِ التعذيب، لدى السجانين، وضباط التحقيق، والأمن، والفدائيين، والبعثيين من غير رجال الأمن.

وشاعَ في المجتمع العراقي ـ في ذلك الوقت ـ اتخاذ بعض الأشخاص قرارا شخصيًّا بقطعِ أصابعِ أحدِ أيديهم، خوفاً من النظام نفسه! خوفاً من زجهم في الحرب، حتى لا يدخلوا الخدمةَ العسكريةَ، أو أن يتمَّ إجبارهم على المشاركة في أي فعالية عسكرية لحزب البعث. فيمتلكوا بذلك سببًا صحيًّا لعدم تسليحهم عند دخولهم مرغمين الخدمةَ العسكريَّة، وفي الحقيقة فإنَّ هذه الدوافع وإن كانت شخصيةً، إلّا أنَّها حلًّا مقبولا عندهم ـ على الرغم من مرارته وصعوبته ـ للنفاذ من النظام وتهديداته بعقوبة الإعدام لمَن لم يجد لهم عذرا للالتحاق بالجبهة. ولو لا وجود هكذا مخاوف لما أقدم اُولئكَ الأشخاصُ على ذلك. وهذه تعد أسباب غير مباشر لجريمة قطع الأصابع.

أما السبب المباشر، فيكون بتوجيه مباشر، باختيار عقوبة قطع الأصابع على من يتهمهم صدام بالتآمرِ عليه، وعلى ونظامه. وعبر أدوات تنفيذ مباشرة في ذلك، مثل: السيف، السكين، القامات، والمنكنة التي توضع الأصابع بين مسنديها وتعصر حتى التقطيع أو التهشيم أو التعذيب فيها. وقد كانت مثل هذه العملية في التقطيع تصور وترسل إلى رأس الهرم البعثي الفاسد، لتأكيدها.

ولا نعلم سبب اختيار التعذيب بقطع الأصابع بشكل عام، ولأي جريمة يقترفها المدان والمتهم، حتى يختاروا له هذه العقوبة تحديدًا.

وقد وجدنا وثيقةً، توضح الاختيار الخاص لعقوبة قطع الأصابع من قبل البعث لشخصٍ اسمهُ (شعلان عبد الكريم بطاي)، اتُّهِمَ بتمزيق صورة قائد البعث، وقد وصِفَ فيها بالمجرم، هذه الوثيقة اتخذت صفة (سري وشخصي) صدرت بعدد 106 في تاريخ 1/11/2001م، صادرة عن مديرية أمن محافظة ذي قار، وحملت عنوان تعميم بتنفيذ حكم بتاريخ 3/10/2001م، بعقوبة قطع الأصابع، وقد قام بتطبيق هذا الحكم المسؤول المشرف على فدائيي صدام، بحضور المحافظ وأمين سر قيادة فرع محافظة ذي قار للحزب. ولا نعرف لماذا تم إعمام هذا الكتاب؟ هل لغرض إخافة الآخرين من أبناء المجتمع، وإعلامهم بالنهج الجديد لفدائيي صدام، أم أنَّ هناك تبعات تطال من نفذ به هذا الحكم على المستوى الاجتماعي والرسمي، ونحن نتذكر كيف كان يتعامل البعثية مع من قطعت أيديهم من التجار، بمنعهم من المعالجة الطبية، والتجميل، وحتى الخروج من البيت. ولعل الأمر مشابه؟!

المرفقات: وثيقة من أرشيف أحد الضحايا