الإعدامُ الجماعيُّ في زمنِ البعثِ
انتفاضَةُ البصرةِ 1999م أُنموذجًا
جميعُ الحقائقِ والوثائقِ الَّتي تمَّ العثور عليها بعد سقوط نظام حكم البعث تشير إلى دموية هذا النظام وتعطشه لسفك الدماء من أجلِ بثِّ الرعب والخوف في نفوس الآخرينَ لأنَّه كان يؤمن بأنَّ ديمومة حكمه قائمة على هذا الأساس، وفي هذا المجال حصلت منظمة هيومان رايتس ووتش على أربع صفحات من القوائم لبعض الوثائق الَّتي تَمَّ العثور عليها في محافظة البصرة من مكاتب مديرية الأمن العامة(المنحلة) في أثناء النهب الذي تعرضت له المباني الحكومية بعد وصول قوات الاحتلال البريطانية إلى محافظة البصرة في نيسان 2003م، وتضم الصفحات الأربع قائمة من الإعدامات تحتوي على أسماء 120 شهيدًا مرقمين بتسلسل تَمَّ الحصولُ على صفحتين منها.
ويبدو أنَّ عمليةَ الاعتقال حدثت على إثرِ انتفاضة 17 آذار 1999م، فقد هاجمت مجموعاتٌ من المتظاهرينَ مبانيَ حكومية ومقار لجهات استخباراتية ومكاتب لحزب البعث في محافظة البصرة, كردة فعل على عملية اغتيال المرجع الديني آيةِ الله العظمى السيد محمد صادق الصدر ونجليه في ساحة ثورة العشرين في محافظة النجف الأشرف, من قبل أزلام النظام المقبور بتاريخ 1999/02/19م، و قد اندلعت وقتها مواجهات عنيفة بين المتظاهرين والقوات الحكومية، بلغت حد استخدام الأسلحة والمدفعية الثقيلة, ويقول العديد ممن تعرضوا للاعتقال في تلك الفترة إنهم لم يشاركوا في الانتفاضة وإنَّما تم اعتقالهم كجزء من حملة واسعة ضد كل من اعتبر مشبوهًا في أعين السلطات بسبب تقارير ومعلومات كيدية تم رفعها من قبل مصادر الحزب والأمنِ ضدهم.
وتشير قوائم المعتقلين الّتي تَمَّ الحصولُ عليها بعد عام 2003 م إلى حدوث إعدامٍ جماعيٍّ بدون عرض المتهمين في تلك الأحداثِ على جهات قضائية مختصة، وإنَّما تَمَّ تنفيذُ حكم الإعدامِ من قبل منظمات حزب البعث وأفرادٍ مدنيين بداعي الحق الشخصي بحجة أنَّهم ذوي أعضاء حزب البعث الّذينَ تَمَّ قتلهم في أثناء مواجهة المنتفضين في تلك الأحداثِ، ولا تحمل قائمةُ الإعدامات أيةَ أختام أو شعارات أو توقيعات مثلها في ذلك مثل القوائم المشابهة الَّتي تَمَّ اكتشافها منذ سقوط النظام السابق في العديد من مدن العراق.
وجميع الأسماء لشباب من الذكور أصغرهم سناً في السادسة عشر بينما يبلغُ عُمْرِ أكبرهم ستة وثلاثين عاماً يسكنون في محافظة البصرة أو حولها. وتحتوي الصفحات الأربع على خمسة أعمدةٍ تتضمن رقم التسلسل، والاسم الكامل، وتاريخ الميلاد، وعنوان السكن، والملاحظات. وتحمل جميع الصفحات عنواناً واحداً: “قائمة بأسماء المتهمين الذين اعترفوا باشتراكهم بأحداث 17-18/3/1999م
وتشير الملاحظات الواردة في الصفحتين الأوليين من القائمة إلى كون الإعدامات قد تم تنفيذها بناءً على أمر قائد القاطع الجنوبي: علي حسن المجيد الذي كان يشغل هذا المنصب عام 1999م، وقد أجمعَ كلُّ من أجرت معهم منظمة هيومان رايتس ووتش مقابلات في البصرة عام 2003 م على كون المجيد هو قائد القاطع الجنوبي خلال عام 1999م.
فضلا عن ذلك، فقد أعرب كلُّ من التقت بهم المنظمة عن اعتقادهم بأنَّ المجيد قد أشرفَ مباشرةً على جميع العمليات العسكرية والأمنية في جنوب العراق، بما في ذلك محافظة البصرة.