الاغتيالات في زمن البعث تاريخ الدم والرصاص
أ.د. حسين الزيادي
ترك الإجرامُ الذي مارسه نظام البعث في العراق ندوباً غائرةً في جسد الأُمة، فقد أثبت التاريخُ أنَّ هذا الحزب منذ بداياته تبنى الإرهاب فكراً وسلوكاً ومنهجاً، وكان هدفه الرئيس هو الحفاظ على سلطته مهما كلفه الأمرُ وبأكثرِ الوسائل دناءة وخسة ولؤما، ومنها جريمة الاغتيال التي تعود إلى زمن مبكّر من تاريخ وصول البعث إلى السلطة في ستينيات القرن الماضي، حيث كانت البداية مع تصفية المعارضين له أو المنشقين عنهُ، إلّا أنَّ هذه التصفية لم تكن صراعاً بين الخير والشرِّ بل كانت صراعاً بين الشَّرِّ والشّر، وفي هذه الحالة دائماً ينتصر الجناح الأكثر شراً والذي كان يقوده هرم السلطة آنذاك، وقد كان رجال الدِّينِ في مقدمة المُستهدَفِينَ من عمليات الاغتيال التي تنوعت أساليبها وتعددت وسائلها بحسب اختلاف الظروف وطبيعة المُستَهدَفِ، فمنها مَنْ كان يتم تصفيته مباشرة بالرصاص، ومنهم مَنْ استُعمِلَ السُّمُ في اغتياله ومنهم من استُعمِلتْ حوادث الطرق في تصفيتهِ، وعموماً يمكن تقسيم وسائل الاغتيال على مايأتي:
- الحوادث المرورية على الطرق الخارجية فقد كان أزلام البعث يتحينون الفرص لسفر المُستَهدَفِ فتلاحقه بمركبة كبيرة تقوم بسحقه فتظهر العملية كأنها حادث سير حدث قضاءً وقدرا.
- الاغتيال بواسطة سمِّ الثاليوم وهو سُمٌّ يصعب اكتشافه، أو اكتشافُ آثارهِ، أو أعراضه،إذ يتكون من سائل شفاف لا لون له، ولا طعم، ولا رائحة، ويمكن وضعه في الماء وفي الأكل، أو حقنه من خلال إبرة في شرايين وعروق جلد الإنسان، وهذا السُّمُّ يعمل ببطء على تدمير أجهزة الإنسان الداخلية (الكبد، الكلى، الرئة، ثم الدماغ)، وإنَّ المدة الزمنية لقتل الإنسان بهذا السم تختلف من شخص لآخر؛ استنادًا لبُنيَتهِ، وعمرهِ، وقدرة أجهزته على الصمود، وهذه المدة تتراوح بين شهرين إلى ثمانية شهور، ومن رجال الدين الّذين اغتالهم نظام البعث بهذه الطريقة آية الله السيد محمد طاهر الحيدري في بغـداد عام 1980م، وحجة الإسلام الشيخ غالي الأسدي في الناصرية عام 1983م، وحجة الإسلام الخطيب الشيخ عبد الزهراء الكعبي في كربلاء عام 1972م، والشيخ أحمد فرج البهادلي في النجف الأشرف عام 1971م، والقائمة تطول ولايتسع المجال لذكرها كاملةً.
- الاغتيال بواسطة السلاح الأبيض، وقد استُعمِلت هذه الطريقة في ظروف معينة لاسيما في السفارات التابعة للنظام، واستخدمت هذه الطريقة في عدة عمليات لاغتيال عراقيين في الخارج، وغالباً ما يتم مكافأة القاتل كما حدث للعديد من منتسبي جهاز المخابرات الّذين تم تعيينهم في السلك الدبلوماسي.
- الترصد للضحية وإمطاره بالَّرصاصِ على الطرق الخارجية بعد أنْ يتم تهيئة الظروف الملائمة، ومن ذلك اغتيال المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ الغروي قدس سره الشريف يوم 19 / 6 / 1998م حيث كان المرجع الشهيد عائدا من زيارة الإمام الحسين (ع) إلى النجف الأشرف وفي أثناء خروجه من كربلاء المقدسة لاحقته سياراتُ أمنِ الطاغية واعترضت سيارته وأمطرتها بنيرانٍ كثيفةٍ استُشهد خلالها المَرجِعُ إثرَ إصابته في رأسه، ووجههِ المقدس، وصدره، وقُطِعت يده اليسرى بتأثيرِ كثافة الرصاص، ومن مظاهر تخبّط البعث لإبعاد انتساب جريمة الاغتيال إليهِ أذاعت أجهزة إعلام البعث المجرم وسلطته القمعية بيانا مقتضبا في الإذاعة والتلفزيون قالت فيه: إنَّ سيارة الشيخ الغروي تعرضت لحادث تصادم بسيارة كبيرة وقد هرب الجاني، وممن تَمَّ اغتيالهم بهذه الطريقة آيةُ الله السَّيد محمد محمد صادق الصدرعام 1999م مع ولديه السيد مصطفى، والسيد مؤمل.
- من وسائل الاغتيال التي اشتَهرت بها الأجهزة القمعية لنظام البعث التغييب القسري أو الإخفاء، وبالتالي تصفية المُستَهدَفِ في ظروفٍ غامضةٍ، وقد ذهب ضحية ذلك حجةُ الإسلامِ الشيخ محمد القوجاني في النجف الأشرف عام1989م، وهو طالب في الحوزة العلمية اعتقل ولازال مجهول المصير، وحجة الإسلام الشيخ عباس المطراوي الَّذي اعتُقِلَ عام1985م، وهو أُستاذٌ في الحوزة العلمية ولازال مجهول المصير، وحجة الإسلام الشيخ علي قبلة الَّذي اعتُقِلَ في النجف الأشرف عام 1985م، وهو أُستاذٌ في الحوزةِ العلميةِ ولازال مجهول المصير،
والسيد كاظم شبـر الَّذي اعتقلَ في النجف الأشرف عام 1983م، وهو أُستاذٌ في الحوزة العلمية ولازال مجهول المصير، وتطول قائمة من تَمَّ اخفاؤهم من شرائح المجتمعِ، وفئاتهِ المتعددة.
عموما ً إنَّ تاريخ الاغتيال في حزب البعث يعود إلى فترة مبكرة من وصوله إلى السلطة وإنَّ أولَ بعثيًّ اغتاله صدام هو حارث شوكت يوم 17 تموز 1968م، وهو ابن رئيس الوزراء الأسبق في العهد الملكي ناجي شوكت، أعقبه اغتيال عبد الوهاب كريم بواسطة مركبة كبيرة على طريق الحلة – بغداد، وتمت العملية بتنفيذ مباشر من هرم السلطة البعثية.