أساليبُ التعذيبِ والجريمة البعثية
جريمة كوي اللسان ح15
الأستاذ المساعد
رائد عبيس
ينطوي تأريخُ البشرية على أساليب متعددة في كل المجالات، وهذه الأساليب تتطور تبعاً لزمانها ومكانها، وأكيد في تاريخ العقاب الأمر نفسه، تطور تبعاً لنوع الجريمة وتطورها وتطور أساليب تنفيذها وبتحليل نفسي سيكولوجي أن كلما صارت طريقة التنفيذ الإجرامي قاسية وغريبة وغير مألوفة، كلما كانت هذه النفس تحمل عقدة إجرامية كبيرة واستثنائية ؛ لأن السلوك السوي في حالات العقاب لأي شخص، تستند إلى الشرع والقانون والعرف، وتكتفي عند ذلك، إلا أنّ أي انزياح وتطرف في السلوك العقابي يُعدَ إجراماً مثلا طفلك لك الحق في معاقبته، ولكن ضمن حدود المقبول، ما يزيد عن ذلك، الشرع فيه يفرض عليك الدية، والقانون يفرض عليك العقوبة العنفية، ضمن قانون العنف الأسري وقوانين الكافلة لحق الطفولة وحمايتها التي تتفاوت بين الدول والقوانين والأنظمة.
أخبرنا تأريخ الإجرام البشري بأصناف متعددة، ومهولة، ومتفننة، بالحالات الإجرامية التي وقعت بين البشر أنفسهم، وبينم وبين الحيوانات حتى، وهذه الحالات في تطور، تبعاً لتطور العلم الذي سهل على المجرمين استخدام أدواتهم الإجرامية بحق بعضهم بعض، وما زالت هناك أدوات إجرامية أكثر تقدماً وتطوراً وفتكاً لم تستعمل بعد.
مثل: القنابل الهيدروجينية، والنووية الموجهة، والأسلحة الجرثومية الفتاكة. كل هذه الوسائل الإجرامية والحربية بيد أنظمة سياسية، يقودها، ويقررها غداً شخص واحد، وهنا تكمن الخطورة.
أبتلي العراق من 1963 إلى 2003 بسيطرة البعثيين على السلطة، وشيئاً فشيئاً اختزلت السلطة بيد قائد الحزب، وقائد القوات المسلحة، وقائد العراق. وتصاعدت النزعة الفردية في السلطة بشك كبير وخطير، حتى باتت تنفذ إلى كل ما يجوز الوصول إليه وما لا يجوز، واقصد هنا حتى غرف نوم قيادات الحزب وأعراضهم بالتنصت، والتجسس، والاقتحام، والمداهمة، وغيرها.
وقد نتج عن هذا التطاول على العراقيين، والسكوت عن سلوكيات البعث الإجرامية، من قبل الحزب، ومن قبل المؤسسة العسكرية، ومن قبل الشعب العراقي إلى الاستخفاف، والاستهانة، بدم وكرامة المواطن العراقي بشكل رهيب ولم يقتصر الأمر على رأس السلطة البعثية، بل شجع قيادات البعث المجرم، وأجهزته الأمنية، والسجانين، وصولاً إلى رجال الشرطة البعثية إلى أتباع نفس الأسلوب، وتملك نفس النزعة، ونفس الرغبة الانتقامية، ونفس السلوك الإجرامي، ومن دون مساءلة، بل أطلق لهم صلاحيات تعذيبية رهيبة، وحق التصرف بمصير الضحية، سواء كان معتقل، أو سجين، أو محبوس.
وبعد أن طوّر صدام القاتل، من أساليب حمايته ونظامه، بما يعرف بــ (فدائيي صدام) طور مع هذا التشكيل صلاحيات التعذيب، والقتل، وأبتكر مع هذا الجهاز أساليب تعذيب جديدة لم يألفها العراقيون من قبل.
قد يصاب بالدهشة كثير من العراقيين عندما يطلعوا على أوامر مباشرة من صدام، ومن خولهم، توضح طريقة التعذيب التي يختاروها لتعذيب من يشاؤون، وما يخصون من بعض الشخصيات المعتقلة، أو بعض المتهمين عندهم في مواضيع حساسة، أو حتى عادية.
الوثيقة المرقمة (7327) الصادرة في 29/9/2000 التي حملت صفة السرية (1-1) عن هيئة أمن فدائيي صدام المرتبطة برئاسة الجمهورية، والمرسلة إلى أمانة سر فدائيي صدام، بموضوع تصوير العقوبات! هذا كتاب أمر أداري يتضمن أمر تصوير عقوبة! ولكن لم نحصل على كتاب وبالتأكيد يكون سابق له، يحمل موضوع أمر بعقوبة! وهذا أمر مفرغ منه، فالثاني هو ناتج تحصيل عن الأمر الأول، وهو أمر العقوبة بما ورد في نص هذا الكتاب.
فالسؤال الذي يطرح بشكل موضوعي، لماذا يتم تصوير مثل هذه العقوبات القاسية؟ ولمن تصور؟ ومن الذي أمر بتصويرها وهو خارج نص هذا الكتاب؟ الذي ظهر في هذا النص هو أمين سر، ورئيس هيئة، والمشرف على فدائيي صدام، وفي الهامش، رئيس الأركان، ومدير العلاقات، وكانت نسخة منه تشير إلى الجهات ذات العلاقة كقسم التحقيقات، والمعلومات، والأرشيف، الملاحظ في هذه الوثيقة لم يذكر أي اسم صريح لأي من القيادات المعنية! فكيف يذكر اسم صدام! الذي قد يكون هو من أمر بهذا التصوير، حتى يشاهد تنفيذ عقوبات اختارها بقسوة لمعارضيه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى قد يشك بالجهات المنفذة، فيحتاج إلى تأكيد منهجهم الموالي له.
أما ما ورد في هذا الوثيقة من عقوبات مأمور بها! وما مأمور بتصوير بشاعتها، مثل: جريمة قطع اللسان، وجريمة قطع اليد، وجريمة كوي اللسان، وجريمة كوي الشفتين، وجريمة الإعدام التي أسموها في هذه الوثيقة “عملية “!
تعد جريمة كوي اللسان، جريمة غريبة، فقد نهت الشريعة الإسلامية عن العقاب بالنار، وحذرت من هذه الفعلة التي يستخدمها المشعوذون والسحرة والدجالون، أو قد تكون عقوبة شعبية لمن يمارس الكذب مثلاً التي تكثر حالاتها في المجتمعات البدائية المتخلفة.
اتبع حزب البعث وفدائيو صدام هذه الطريقة البشعة لتعذيب العراقيين، الذي وقعوا صيداً بيد البعثيين، والفدائيين الذين يبحثون عن حصيلة يومية من الشعب لمعاقبتهم، إلا إننا لا نملك فيديو أو وثيقة أخرى تشرح كيفية تطبيق هذه الجريمة، مثلما توفر في عقوبة قطع اللسان الذي كتبنا فيها مقالة سابقة.
فجريمة كوي اللسان، هي عقوبة تعذيبية، نهت عنها الشريعة، وحرمها القانون العراقي سواء كان في دستوره، أو في لائحة قوانين السجون والمعتقلات، أو قانون العقوبات العراقي، فهي جريمة صريحة ارتكبها صدام وحزبه وفدائيوه المجرمون.