صناعةُ الطائفية في الفكر البعثي
أ.م.د. نصير كريم كاظم
باحث في المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف
العتبة العباسية المقدسة
لم تكن رسالةُ مرجعِ الطّائفة الشيعية السيد محسن الحكيم (قدس سره) عام (1964) إلى رئيس الوزراء حينها طاهر يحيى إلى أن البعد الطائفي في سلطة عبد السلام عارف كان واضحَ المعالم، فالذي يبدو أن القوميين أمثاله يتسمون بالطائفية أكثر من غيرهم، وسياسته بالكيل بمكيالين لا تخفى على عامة المجتمع العراقي بقوله: فالمفهوم الشائع بأنَّ معاملات (عبداللطيف) تنفذ ومعاملات (عبد الحسين) تؤخر وتترك أو تهمل.
وهو ما أسس له عارف رغم انقلابه على البعثيين كون الانتماء القبلي له مغاير لمن تترك وتؤخر معاملته.
وقد سار على هذا النهج من خلفه في الحكم من البعثيين طوال تلك الفترة، أي فترة حكم عبد السلام عارف إلى ما يقارب الأربعين سنة حتى سقط هذا النظام الشمولي في التاسع من نيسان عام (2003).
وبعد استحواذ فترة البعث الصدامي على سلطة العراق بلغت الطائفية حداً لا يوصف فمن الممكن لشرطي ينتمي إلى (العوجة) وهي القرية التي تربى فيها الملعون صدام تابعة لبلدة تكريت أن يهين وزيراً شيعياً بلا تردد أمثال سعدون حمادي وغيره ممن تبجح بعض المتطفلين والمتأسفين لسقوط الصنم والمتعاطفين معهم بأن حكم صدام لم يكن طائفياً فحمادي نموذج شكلي وواجهة إعلامية بعثية لذر الرماد في العيون لا غير، إذ كانت السلطة بيد بيوتات تكريت لا غير، وعائلة صدام وأقاربه هي من تتحكم بخيرات وموارد العراق.
إذ لم يكن هنالك تطبيق لأساسيات مبادئ بعثهم المشؤوم الداعي إلى محاربة الطائفية والعشائرية على أرض الواقع أي تطبيق سوى الحبر على الورق.
فبسم البعث والطائفية عانى الكثير من طبقات الشعب العراقي من:
- تردي المستوى المعاشي للفرد.
- حصر التعليم العالي بالمنتمين للحزب المشؤوم بالخصوص القيادات العليا.
- تقييد التعليم الأكاديمي في معظم محافظات الجنوب ورجوع بعض المحافظات في انتمائها الإداري إلى جامعة واحدة ممّا سبب ركوداً مبيتّاً وواضحاً في توسع تلك المؤسسات الأكاديمية كجامعة ميسان التي كانت عبارة عن معهد المعلمين المركزي ومن ثم أصبحت كلية المعلمين، وجامعة المثنى وغيرها الكثير، وهذا الأمر لا يلبي حاجة المجتمع الجنوبي من حيث التوسع السكاني، ولعل ذلك كان أمرا مقصوداً لتحجيم المستوى التعليمي في تلك المحافظات العراقية.
- تدني المستوى الاقتصادي لدى الفرد حتى وصل الحال إلى بيع المواد المنزلية الضرورية لسد رمق العيش.
- تدهور المستوى الصحي للفرد حتى بلغ ذلك موت الأطفال والرضع خصوصاً سنوات الحصار الاقتصادي.
- ركود المستوى التعليمي وفقد الدافعية الذاتية للتعليم بسبب هاجس الخوف لدى الفرد كون المعلم حينها مهدد بقطع الحصة التموينية في أي لحظة والتي كانت تمثل المورد المعاشي الرئيس للطبقة المتدنية والمتوسطة حينها.
والذي يبدو من خلال كل ذلك أن العنصر الطائفي له الدور الرئيس والمحوري في صناعة الفكر المتطرف والدكتاتورية المقيتة خلال أعوام تسنم البعث المجرم زمام السلطة في العراق.