banarlogo

داعش والتعدي على مقام النبوة

داعش والتعدي على مقام النبوة

أ.د. حسين الزيادي

إنَّ القراءةَ المستفيضةَ في أدبيات التنظيم المتطرف (داعش) تكشف بما لا يقبل الشك أن عناصره قد تشربوا العقيدة الوهابية ومارسوها فكراً وسلوكاً وعملاً في مشاريع وحروب وغزوات وحملات للسبي والقتل والتدمير، فالنشأة الحقيقية والولادة الفعلية لهذه التنظيمات كانت مع ظهور الحركة الوهابية بوصفها تيارا تكفيريا سياسيا قفز على مسرح الأحداث بقوة مستغلاً الضعف والانحدار التي مرت به الأمة، فهي حركة وجدت خارج الزمان والمكان حاولت إعادة إنتاج التاريخ وفق رؤى وفلسفة خاصة وبأدوات حديثة وتحليل منحرف يجانب الحقيقة؛ لأنه لا يمتلك الأسس المعرفية الكافية ولا أدوات التحليل الواقعية التي تمكنه من قراءة التأريخ بحيادية وموضوعية تامة، ويلحظ أن النصوص التأريخية التي يستقيها هذا التنظيم لاسيما ما وجد في كتبه المنهجية لا تخضع بالمطلق للقراءة النقدية التفكيكية التي تراعي مناسبة الحدث التاريخي وبعده الزماني والمكاني، ولا نستبعد أن تكون تلك القراءات متأثرة بما رواه أعداء الإسلام لنخر جسد الأمة وتمزيق وحدتها، والموالون لداعش يدعون الإسلام ظاهراً ويضربونه في الصميم.

    إن من أكثر النصوص المتطرفة إيلاماً وأعمقها أثراً تلك التي تحاول النيل من شخص الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وتشويه مقامه المقدس والتقليل من مكانته في تحدي واضح لمشاعر الأمة من خلال وصفه بأنه نبيُّ الحرب والقتال وصاحب الملاحم والمعارك، فهو نبي السيف لا نبي الرحمة، نبي القتال لا نبي الشفقة والرأفة  متجاهلين قوله تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ( )القلم: 4)، وقوله عز وجل )حَريصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنينَ رَءوفٌ رَحيمٌ) (التوبة 128)، ولم تقف محاولاتهم عند هذا الحد فقد أوغلوا في تصحيح أحاديث محرفة تعطي انطباعات لدى المتلقي أن النبي الأكرم يحث على العنف والكراهية ومتخذين من تلك الأحاديث دستوراً وذريعة لهم لاستباحة دماء المسلمين والتعدي على أملاكهم، وصارت مثل العكاز الذي يتكئ عليه الإرهابيون في تنفيذ مخططاتهم،  ومنها حديث (أنا الضحوك القَتال أو الذباح)، وفي حديث آخر (و جُعِلَ رِزْقي تحت ظِلِّ رُمْحي)، وحديث آخر عن عبد الله بن عمر بن العاص( لقد جئتكم بالذبح) وفي حديث آخر (يا معشر قريش ما أرسلت  إليكم إلا بالذبح)، وغيرها من الأحاديث الموضوعة والمحرفة التي تعارض نصوص القرآن الكريم والسنة المحمدية الصحيحة، وهذه الأحاديث وغيرها كثير استغلت بشدة لقمع الشعوب وإبادة الطوائف الأخرى، وما هذه العصابات المتطرفة إلا واجهات إجرامية تعمل على تشويه الإسلام وتنفذ الجرائم بحق أهله وتسيئ إلى سمعتهم متخذين عناوين الإسلام والمسلمين شعاراً لتنفيذ أجندات مشبوهة باتت معروفة لدي الجميع وتدعوا إلى دولة الخلافة الإسلامية والإسلام منها براء، ولم يقتصر التعدي على مقام النبوة على ما تم ذكره فالحياة الاجتماعية لنبي الرحمة تعرضت لحملة شعواء من التشويه والتحريف بترسانة من الأحاديث الموضوعة.

 إن تحريف السيرة النبوية المقدسة وإظهار النبي الأكرم بأنه رجل حرب يحب إراقة الدماء ما هو إلا توظيف لتحقيق أهداف يهودية تكن العداوة للإسلام والمسلمين، فالمؤامرة على الإسلام قائمة منذ قيامه، وباقية ومستمرة تختلف أساليبها باختلاف الأزمنة والعصور، وما هذه الحركات المتطرفة بمختلف مسمياتها وتفرعاتها إلا أدوات تخدم مشاريع الهيمنة الإسرائيلية تحديداً وتخلق الفوضى والاضطراب في صفوف المسلمين وتبعد الناشئة عن قيمه الإسلامية الأصلية من خلال ضرب مقدسات الإسلام وتشويه السيرة الناصعة لنبيه الكريم صلى الله عليه وآله الذي جمع الله سبحانه وتعالى فيه صفات الجمال والكمال البشري، وتألّقت روحـه الطاهرة بعظيم الشمائـل والخِصال، وكريم الصفات والأفعال، حتى أبهرت سيرته القريب والبعيد، وتملكت هيبتهُ العدوّ والصديق.