الموت يفرق الصديقات بلا وداع..
د. عطور الموسوي
إيمان خريجة معهد الصحة العالي، الواقع في منطقة المنصور ببغداد، قد انتشرت مظاهر التدين بين طلبته وطالباته، فعلى الرغم من مضايقات اتحاد الطلبة إلا أنَّ أغلب طالباته محجبات … كما أن سهامة أخت الشهيد سمير غلام كانت معها في نفس المرحلة وقد اعتقلوها قبل امتحانات نصف السنة وكل عائلتها بعد حادثة المستنصرية واستشهاد أخيها رميا بالرصاص أمام أنظار طلبة الجامعة يوم 1/4/1980.
وعن اعتقال سهامة تتذكر إيمان أنَّها كانت فتاة جميلة مهذبة هادئة الطباع، ولأن موقع سكناهما بنفس الاتجاه غالبا ما يجمعهما طريق العودة من المعهد إلى البيت.
في نفس اليوم تجاذبتا أحاديث الإيمان حيث تلتقي الأرواح والقلوب النقية من درن الدنيا، وقضيتا وقتاً مفيداً في مذاكرة كتيب الصبر للكاتب عامر سليم عساف … بعدها استقلتا حافلة النقل العام ذات الطابقين في لحظاتٍ من الاطمئنان وكلّ منهما تعتزّ بهذه الأخوة التي حباهما الله بها… وعند وصولهما منطقة باب المعظم كانت الأوضاع مضطربة جدا … أصوات سيارات الشرطة والإسعاف تضج بالمكان والناس في خوف وحيرة … افترقت الصديقتان دون أن تعرف إيمان أن هذا لقاءها الأخير بزميلتها المقربة فلم تراها بعد.. إلا في الصفحة الأولى من جريدة الثورة حين نشرت صور العائلة جميعهم، وذُكر أنهم عائلة مجرمة.. انعكس ذلك سلبا على طالبات القسم واشتدت مضايقات اتحاد الطلبة وهددوا باعتقالهن جميعا كزميلتهن سهامة.. فلطالما أساءهم أن جميعهن لم ينتمين لحزبهم الجائر سواء محجبات كن أم سافرات ..
عُرِفَ عن هذه الأسرة في المنطقة السمعة الطيبة وحسن الجوار، وإذا بهم يقمعونهم جميعا بإخفاء قسري وتبين أنهم استشهدوا جميعا صغارا وكبارا، ولكن لا أحد يعلم كيف أزهقت أرواحهم؟ ولا أين وريت أجسادهم؟
بيت سهامة صادرته السلطة البعثية وأحالته إلى معتقل أمن الثورة، نعم البيت الذي ضم والدينِ مؤمنينِ ونشأ تحت سقفه أبناء وبنات تربّوا على الهدى والعطاء صار مأوى للذئاب.. بيت المؤمنين حوّله البعثيون إلى مقر لتعذيب المؤمنين وانتهاك حقوق الإنسان متجاهرين بالفسق وقد تجرأوا على الله ورسوله طاعة لفرعونهم صدام.
بيتهم الذي تقام فيه الصلاة ويتلى به كتاب الله أناء الليل وأطراف النهار.. صار دهاليز قمعية تضّج بآهات المعذبين ونباح الجلادين.. تلّطخت جدرانه بدماء الأبرياء وهجرته الملائكة يوم تعاطى أزلام البعث فيه كلَّ منكر واقترفوا كل الكبائر..