ataba_head
banarlogo

أساليب التعذيب والجريمة البعثية جريمة قطع الأطراف ح 7

أساليب التعذيب والجريمة البعثية

جريمة قطع الأطراف ح 7

د. رائد عبيس

جامعة الكوفة – كلية الآداب

كشفت وثائقُ مديريات الأمن الصدامية، جرائم وحشية كثيرة وصادمة، طالت الآلاف من العراقيين الذين نالهم تعذيبه وتنفيذه الإجرامي. عكست تلك الجرائم نزعة قاتلة تركبت منها الإيديولوجيا البعثية، واعتاد عليها عناصره الذين جمعتهم عقيدة الولاء المذل والولاء الطوعي لهذا النظام، الذي أشفى في صدورهم رغبة القتل، والتعذيب والإجرام، وحقق لهم سلطة مزيفة، مؤقتة، مخيفة، مرعبة، مثلت لهم خيلاء الغرور، والكبر، والعجرفة، والعنجهية، والاستعلاء، على أبناء الشعب العراقي في ريفه وقراه ومدنه، وعلى رجاله، ونسائه، وأطفاله.

تعد جريمة قطع الأطراف جريمة قديمة، كان قد مارستها الأنظمة المستبدة منذ زمن طويل والقرآن الكريم أشار إلى فرعون الذي توعّد السحرة بقطع أرجلهم وأيديهم (أطرافهم) وهذه الإشارة تختزل كل النزعات التعذيبية عند الأنظمة الديكتاتورية في قطع الأطراف وتعذيب المعتقلين بهذه الجريمة.

كما أشار القرآن الكريم إلى قطع (يد السارق والسارقة) كحكم شرعي لردع السراق الذين يسرقون أو الذين يفكرون بالتمادي على حقوق الآخرين العينية فما بالك بمن اعتدى على حق الجسد، واعتدى على أجسام الآخرين وحقهم بالحياة وحقهم بالسلامة وحماية أجسامهم من الضرر؟ فما بالك بمن تقصد اتلاف وأضرار وإلحاق الأذى بالمعتقلين الأبرياء وتعطيل وظائف أجسادهم من خلال بتر أو اتلاف أحد أعضائهم؟

إن الوعود الصدامية التي كان يطلقها على الأبرياء ومعارضيه أو من يشتبه بهم، يقطع رؤوسهم، وقطع أطرافهم، أو دفنهم أحياء، قد حققها بالفعل وبالشواهد الذي حفظها للتأريخ وحفظها لإدانة نسفه بنفسه بما ترك فضلاً عن شهادات الشهود من المتزوجين والمعذبين أنفسهم، أو من نفذ تلك العمليات.

أظهرت المئات من الفيديوات حقيقة الإجرام البعثي الوحشي في تنفيذ (جريمة قطع الأطراف) بالتحديد فقد شرعها، وسمح بها، ونفذها، تنكيلاً حقيقياً بكل من قصدهم صدام بهذه الطريقة من التعذيب، فقد كان صدام وأزلامه، يستنفذون ساعات وأيام وأسابيع، وهم يتناقشون في كيفية قطع الأطراف لمن يجرمون، مثل قضية التجار وقطع أيديهم الذي أوكل أمر قطع أيدي المعتقلين منهم والذي خصهم بهذه العقوبة إلى الأطباء ويناقش صدام معهم كيف يتم القطع؟ ومن أي مكان؟ وأين ومتى؟ حتى كان يوصي بدفع تكاليف مالية وأجور مضاعفة للأطباء الذين يجرون مثل هذه العمليات ؛ لأنهم يتأذون نفسياً من جراء ذلك!

ولكن لا يفكر بمن يشاهدها؟ ولا بمن كان ينفذها بهم بشكل مباشر من قبل جلاوزته؟ هذه المفارقة ما كادت تفارق سياسية البعث اتجاه الناس، ولا يمكن أن تفسر التناقض في السلوك البعثي اتجاه النظام نفسه، أو اتجاه المجتمع، أو اتجاه أعضاء حزب البعث الذي طال بعضهم التعذيب والقتل والإجرام أيضاً.

أوضحت الفيديوات التعذيبية لجريمة قطع اليد أو الرجل  نهجا واضحا في أيديولوجيا حزب البعث لترسيخ القوة والإجرام داخل هذه الأيديولوجيا، وغرس ثقافة التسلط والقبول بالفكر البعثي السلطوي القائم على التعذيب والإجرام والجرأة والاستهانة بحق الآخرين وحاول حزب البعث أيضاً من خلال هذه الجريمة إيصال رسائل ردع للآخرين من داخل الحزب وخارج الحزب من الجمهور المعارض، المؤيد، والساكت. وصناعة رأي عام يقبل بالأمر الواقع، ويرسخ ثقافة الروح، والقبول بالذل.

 كان هذا يتمثل في تحشيد الجمهور لمشاهدة مراسيم تنفيذ العقوبة وإرغامهم على إظهار القبول بهذا التنفيذ من خلال التصفيق، وإبداء الفرح، والرقص، والهتاف للقائد، وغيرها.

أما عمليات التنفيذ فكانت تتمثل بمراحل مختلفة، مرة تكون بأمر مباشر من القيادة، ومرة أخرى يكون على وفق أساليب التعذيب المقرة من قبل حزب البعث، ومرة ثالثة تكون بتصرف شخصي من الجلاد في اختيار وسيلة تعذيب بحق الضحايا، فكانت تستخدم أدوات التعذيب في التنفيذ بطرق مختلفة، فمرة بالسيف وأخرى بالسكين، وثالثة بالقامات، ورابعة بالعصي، حيث يتم كسر الأطراف بها قبل قطعها.

 كانت عملية القطع تتم عبر إحضار الضحية معصوب العينين ويقاد إلى منصة خاصة بقطع الأطراف، فتوضع مثلاً يد الضحية على منضدة، أو بين طابوق، أو حجرة، أو صخرة، أو بين (بلوكتين) وتضرب بقوة من قبل السياف، أما يقطع منها الأصابع، أو يقصد منها المرفق الكف، أو التهشيم، وكسر العظام وكذلك رجل الضحية تمد ويتم بترها بآلة حادة كالسيف وغيره هذا إذا كان قطعاً مباشراً أما إذا كان بشكل غير مباشر، مثل : ضربها بعصى أو بحديدة  حتى تكسر العظام، ويلتهب ويصاب جراء ذلك بمرض خبيث فيضطر الأطباء إلى قطعها وقد  يحدث ذلك لأي جزء من الرجل أو اليد، فقد نجد ضحية فاقد رجله من الفخذ، أو من الساق، أو من القدم وكذلك نجد في اليد، فمنهم من قطعت يداه من المتن أو الزند، أو العضد، أو الكف، أو الأصابع. بحسب عامل الصدفة أحيانا، أو عامل القصد أحيانا أخرى.

فالهدف من ذلك يختلف من حيث نوع الجرم ونوع العقوبة الذي يستحقها عند مجرمي البعث.

لعل هذا الأمر يشمل الأحياء من الرجال، والنساء، والأطفال على السواء أما ما يخص الأموات من تلك العقوبة فيكون استحقاقهم بها هو (التمثيل) فكثير من الأموات وجدوا في زنزانات الإعدام مقطعين الأطراف ولا نعرف ما مدى هذه الوحشية للتمثيل بالميت وتقطيع أطرافه؟ ولا يعرف مدى شدة النزعة الإجرامية في ذلك؟ أو مدى الرغبة في تفريغ كل تلك الطاقة العدوانية الوحشية بحق الضحايا؟ نقل لنا ذلك كثير من المعتقلين الشهود الذين يتم تعذيبهم نفسياً برؤيتهم لمثل هذه المشاهد، أما للإخافة، أو للتعذيب النفسي، أو ليضعوهم أمام القابلية الإجرامية لديهم، حتى ينتابهم اليأس من الرحمة، و العفو، أو الأمل، أو الأفراج، أو الخلاص من تعذيبهم.

كان يتخذ ذلك مع الشخصيات المهمة المعارضة وعوائلهم من نساء وأطفال! فضلاً عن صنف آخر من المعارضين الرافضين لوجود النظام، ومنهم أولئك الذين يكثرون من لعن النظام وقائده وحزبه، أو سب عائلة صدام أو التطاول اللفظي على رمزية السلطة والقيادة! وغيرها من الأفعال، والرمزيات، والأقوال، التي يعدها النظام جرائم تستحق قطع اليد، والرجل، واللسان، فالإنسان في فلسفة البعث الفاشية مجرد حيوان جانح شرعن قتله وإبادته متى ما استشعر خطورته على وجوده وتهديد سلطته واقعاً أو تخيلاً.