ataba_head
banarlogo

أساليب التعذيب والجريمة البعثية جريمة قطع الألسن ح6

أساليب التعذيب والجريمة البعثية

جريمة قطع الألسن  ح6

الدكتور

رائد عبيس

خلق الله سبحانه وتعالى اللسان كأهم عضو يترجم به الإنسان أفكاره ومشاعره ومواقفه إلى كلام، وبه يتم القول حقه وباطله، ويفصح به الإنسان ما يجول فيه فطرياً وكسبياً، وقد يقصد باللسان اللغة التي يتكلم بها الإنسان، وكذلك البلاغة والفصاحة، وعذوبة القول، وخفته، ولباقته، ولباقة اللسان هو الاستحضار اللغوي الوفير للمتكلم، وللسان مصاديق كثيرة لو بوبناها بحسب مجال الحديث في ذلك مثل: القول لسان القوم أي يقصد به لهجتهم، ولسان الأمة أي يقصد به المتحدث باسمهم من شعراء، وعلماء، وساسة، وقادة أو يعبر بالقول لسان الحال: أي الحديث بالنيابة عن الآخر وترجمة ما يشعر به، وهكذا، فاللسان بحسب ما أشرنا إلى علاقته الفعلية بتلك المصاديق، فأنا نجد له وظائف بايولوجية، ووظائف اجتماعية، ووظائف لغوية، وثقافية، يتم على أساسها تفاعل الفرد مع محيطه الاجتماعي في التعبير عن مواقفه ومبادئه.

وإن كانت لغة الإشارة حاضرة لمن فقد ميزة النطق أو فقدان اللسان بسبب ما، تكفي للتعبير عن المواقف، وأداء الواجبات بشكلها الرمزي الذي لا يتيح للإنسان أن يوفر العذر اتجاه مسؤوليته في هذه الحياة.

ولكن تبقى ميزة الناطقية عبر آلة اللسان لها أهميتها الكبرى لدى البشر، نختصر في هذه المقال، ونتجاوز علاقة اللسان بمجالات كثيرة، توضح أهميته الخلقية والوظيفية. وإن كانت لهذه الوظائف وسائل يعبر بها الإنسان عن نشاطه الاجتماعي، إلا أننا سوف نقتصر على علاقة اللسان بالسلطة.

ونسأل ما علاقة اللسان بالسلطة؟

بالتأكيد الكل تحمل ألسن، ولكن ليس كل الألسن ناطقة، ونقصد بالناطقة هي تلك التي تعبر بشجاعة عن مواقف في الحياة تتطلب قول الحق ومعارضة الباطل، والتعبير عن الرأي، وممارسة النقد، ونقصد بعلاقة اللسان مع السلطة هي تلك الألسن الناطقة، المعارضة، الناقدة، المتحدثة، وبحسب التأريخ أن طبيعة هذه العلاقة قائمة على جملة اعتبارات منطقية، وعقلية، ومبدئية يجب أن تكون مقبولة، وهذا من حيث افتراض أن تلك الألسن هي مبدئية، وحقانية، وعقلانية، وصالحة التي تتسم علاقتها بالسلطة بالسلبية أما إذا بحثنا علاقة الألسن بالسلطة، فبالتأكيد نجد من تلك الألسن ما أصيبت بآفة الباطل، وقول الزور والكذب، والتدليس، والخيانة، والمدح الزائف، والملق. فتكون علاقة مثل هذه الألسن بالسلطة إيجابية بالتأكيد.

وهم من تبحث السلطة عنهم لتلميع صورتها وتحسينها أمام الرأي العام فمنهم الشعراء والإعلاميون ومتزلفو السلطة.

وهنا تظهر لنا حاجة إلى إعادة صياغة السؤال، بالقول، ما علاقة السلطة مع الألسن المعارضة؟ بالطبع السلطة لا تمنح الحرية الكافية لقول كل شيء ضدها حتى في الأنظمة الديمقراطية، فما بالك بالأنظمة الديكتاتورية ولأجل ذلك تذهب بين الحين والآخر إلى التضييق على من أطلق لسانه لنقدها وتعرية أخطائها وجرائمها بحق شعبها يكون التضييق أحياناً بالاعتقال المؤقت، أو بالسجن المطول، أو الاقامة الجبرية أو المنع من الظهور الإعلامي، أو الاغتيال، أو التغييب، أو التهديد بقطع راتبه إذا كان موظفا حكوميا، أو الطرد من الوظيفة أو التسفير خارج البلد نفيه أو إلحاق الأذى البدني فيه عبر التعذيب وغيرها.

وواحد من أساليب التعذيب وإلحاق الأذى بنقاد السلطة هي قطع الألسن، وقد عرف التأريخ حوادث كثيرة من قطع الألسن لمعارضي الأنظمة السياسية الفاسدة، فطالت شعراء، ونقادا، ومثقفين، ورجال دين، وسياسيين وإذا أردنا الاختصار هنا على التاريخ الإسلامي نذكر قصة الصحابي الجليل (ميثم بن يحيى التمار) رضوان الله عليه إذ اخبره علي عليه السلام عما سيتعرض له من قطع الأطراف واللسان؛ لأنه يدافع به عن الحق ويظهر زيف الملة الأموية الحاكمة للمسلمين وامتداداً لهذا التأريخ تأصل في وعي الأمة المغفلة عن الحقيقة، هذا النهج من إدارة الحكم، ومواجهة المعارضين، وأصحاب الرأي والموقف، وقول الحق وأهله، من قبل حكام العرب والمسلمين في هذا الزمان قد اختزل إجرامهم مجرم العراق وسفاحه قاتل العراقيين بكل أصناف القتل “صدام ومجرميه” الذين اختاروا للعراقيين طرق موت مختلفة ومبتكرة وأصناف من العذاب كثيرة، وكان من أبرزها هو تشريع قانون عقوبة (قطع الألسن)! لكل من ينتقد الحكومة ويتكلم عن الرئيس بسوء، ويمس الحزب بالمعارضة! تبع هذا التشريع عمليات تنفيذ سريعة بحق عراقيين كثر كانوا قد قالوا (لا) لحكم البعث وطيشه في إدارة العراق أو من وشي بهم ظلماً وعدواناً وزواً.

أو من اختيروا صدفة لتنفيذ بهم هذا النوع من العقوبة بعد إقرارها، وكذلك قد استخدم كثير منهم لتجربة تدريب مهارة قطع اللسن من قبل مجرمو النظام الذي أعدوا لهذا التنفيذ وما أقبحها من جريمة، وما أشدها إجراماً وبغضاً بالناس! وما أقبحها من فعلة، وهي تقطع لسان قول الحق أو إلحاق الأذى بالأبرياء!!

مارس نظام البعث القاتل تلك الجريمة بحق كثير من العراقيين ولما ظهرت الفيديوات المسربة بعد سقوط النظام،اتضح أنهم كانوا يصفون الأبرياء الضحايا في طوابير ينتظرون دورهم في التنفيذ جريمة قطع الألسن بحقهم فما كان حال الضحية وقتها، إذ ينتظر دوره في قطع لسانه؟ وهو يرى زميله أمامه يقطع لسانه، ويفقد جزءا حيويا من جسمه ظلماً وعدواناً! وما حاله وقت حين تنفيذ الجريمة بحقه؟ وهو يصي ح عليه (اخرج لسانك) لأقطعه! وهو يرى المجرم الذي سينفذ يمسك بشفرة يقطع بها اللسان، ويرمي بقطعته على الأرض، بين صراخ وآلام وفقدان التوازن جراء ما يتعرضون له، وفي ميدان التنفيذ يقف إلى جانب المجرم المنفذ طبيب يلاحظ صحة عملية قطع اللسان من عدمها! وكم ضحية أُعيد قطع لسانه بما يروه كافياً بعد ملاحظة أن ما قطع في الأول غير كاف مما يساعد الضحية على الكلام! كانت تتم هذه الجريمة البشعة وسط أجواء من الاحتفال بطاعة القائد والامتثال لأوامره، وتنفيذ هذه العقوبة بما يستحقه بحسب زعمهم! فمرة يصفقون للقائد بالتحية، ومرة للحزب، ومرة لشتم الضحايا والشماتة بهم، والضحك عليهم فعبارة (قطع اللسان) التي نسمعها عند من يريد أن يردع أحد كان قد تحدث عن شخص ما بسوء، طبقها “صدام القاتل” بحق شعبه وأصبحت شعار، وقانون، وتنفيذ، وكان قد سبق ذلك بتهديد قطع الرؤوس بما حوت من عقول، وألسن، وآذان، وأفواه! كانت لا توالي نظامه ولا ترغب فيه وسارع أيضاً إلى تنفيذ قطع الرؤوس، وقطع الأطراف، وقطع اللسن الذي تصور به أن يُخرس أمة، وأن يكتم أنفاسها، وعباراتها لمقارعة نظامه، ولكن سقط قبل أن يكمل للنهاية ما يُريد.

وتبين من خلال متابعاتنا لمنصات التواصل الاجتماعي ومنتديات تمجد بسياسة النظام البائد وتؤيد لأساليبه في التعذيب لا سيما عقوبة قطع الألسن، ويعدونها عقوبة مناسبة للعراقيين لا سيما الشيعة؛ لأن لهم ولاءات خارجية بحسب زعمهم! وإن كانت لهم عودة للحكم سيتبعون نفس العقوبة بحق أبناء الشعب العراقي لاسيما أبناء الوسط والجنوب!

فهذا الإجرام المستوطن في نفوس مجرمو البعث مازال يتحين الفرصة لتنفيذ هذه الأساليب وعلى الجميع استئصال هذه النزعة العنفية الدموية التعذيبية القاتلة من ثقافة السلطة في العراق.