ataba_head
banarlogo

الدين والانتماء في منهجية حزب البعث

الدين والانتماء في منهجية حزب البعث

م.م عبد الله خريبط رهيف

 

 

   مثّلت السياسة التربوية في حزب البعث التطرف بكافة أشكاله وأبعاده ومدياته عبر ما ترجم على أرض الواقع قبل التاسع من نيسان 2003 من انتهاج سياسة القطب الواحد الأوحد وتكميم الأفواه سياسة عرجاء تجاه الشعب العراقي، إذ كان جل اهتمامه تربية جيل يؤمن عربياً وعروبياً وقومياً بمقومات حزب البعث وأهدافه ويقصي وينفي كل ما عدا ذلك حتى أراد من المنتمين إليه أن ينصهروا في بودقته والتخلص من كل انتماء قبلي أو مذهبي أو طائفي وتكفير كل ما دون ذلك، حتى نقل عن البعثي الملحد  إبراهيم خلاص الذي يعتبر فيلسوف الحزب حينها: أن الطريق الوحيد لتشييد حضارة العرب وبناء المجتمع العربي هو خلق الإنسان الاشتراكي العربي الجديد الذي يؤمن بأن الله والأديان والاقطاع ورأس المال وكل القيم التي سادت المجتمع السابق ليست إلا دمى محنطة في متاحف التاريخ.

 فضلاً عن اعتماده اعتماداً كلياً بل منهجياً على الفكر العلماني وبذلك فإنه يقصي مسائل الدين والعقائد بكل أبعادها جانباً من قريب أو بعيد، ولا يعيرها أي أهمية فكراً أو انتساباً على صعيد العمل الحزبي بل الانتساب كذلك.

  وقد أثبت الواقع المعاش بعد سقوط الصنم أن شعاراتهم وانتماءاتهم مجرد هتافات عروبية فارغة المحتوى والواقع يشهد بذلك، فها هي فلسطين حالياً تجابه أعتى عدو للعروبة كما يسمونها المتمثل بالصهيونية العالمية وإسرائيل، وفي مقابل ذلك لا نجد من البعثيين فعلاً أو موقفاً سوى الصمت المطبق حيال ذلك، وهو ما يفضي إلى نتيجة مفادها أن أصولهم البعثية القائلة إن الأمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة مجرد ثرثرة كلام لا غير يخادعون بها الشعب المغلوب على أمره.

   ونجد أيضاً أن حزب البعث وقياداته السياسية حين تسنمهم السلطة لأكثر من ثلاث عقود مضت مارس شتى أنواع الاقصاء والتطرف والقتل حيال علماء الدين وبالخصوص الشيعة، وبذلك يثبت جلياً أن المقبور صدام واعوانه باعتباره رأس هرم البعث والسلطة – رغم عدم قناعته بمسألة الدين والتدين – انحيازه لطائفة دون أخرى لا لتدينه بل لإجرامه وعدوانيته لتلك الطائفة وفق مبدأ (أحاربك بغضاً بأبيك).

 فما بين مسجون ومقتول ومنفيّ ذهب الكثير من علماء الدين الذين كان من أبرزهم وأكثرهم تأثيراً في الساحة:

  • آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر.
  • آية الله العظمى الميرزا علي الغروي.
  • آية الله العظمى مرتضى البروجردي.
  • آية الله العظمى السيد محمد صادق الصدر.
  • العلامة السيد مهدي الحكيم.

  والقائمة تطول لأكثر من مئة وثلاثة وعشرين ما بين مجتهد وطالب علم، بل تعدى الأمر إلى اعتقال وقتل الشيخ عبد العزيز البدري من علماء السنة في محافظة صلاح الدين.

  ويمكن تفسير ذلك الإجرام بحق علماء الدين بأنه كان نابعاً من هواجس خفية تدور في مخيلة البعثيين وعلى رأسهم صدام بأن تلك الفئة المؤثرة في المجتمع والساحة العراقية تنتمي أو توالي جهات خارجية توافقهم في المذهب وتخالف السلطة في الرأي والمعتقد، أو لظنهم بأن هناك أهدافا سياسية تنتج معارضة للنظام الحاكم والدعوة لإقصائه من خلال التجمعات الدينية كيوم عاشوراء وأربعينية الإمام الحسين (عليه السلام) ومناسبات الولادات والوفيات والأحداث التاريخية التي جرت على أهل البيت (عليهم السلام)، فضلاً عن ذلك استقلال الحوزات العلمية في مدينتي النجف الأشرف وكربلاء اقتصادياً عن الدولة وعدم انصياعها لمحاولات السلطة البعثية لجعلهم كموظفين تابعين للدولة وهو ما يمثل عنصر قوة للمؤسسة الدينية، وعامل خوف وقلق لحزب البعث وسلطته الغاشمة.