ataba_head
banarlogo

أساليب التعذيب والجريمة البعثية جريمة الضرب بالعصي ح5

أساليب التعذيب والجريمة البعثية

جريمة الضرب بالعصي ح5

الأستاذ المساعد الدكتور

رائد عبيس

جامعة الكوفة – كلية الآداب

 

اتبع حزب البعث القاتل أساليب تعذيب عديدة في النيل من الضحية، ولا يمكن أن نحيط علماً بكل ما لحق الضحايا من أذى؛ لأن كثير من القصص قتلت مع قتيلها، وماتت في عالم التعذيب الذي مثل بشاعة الأنظمة وفاعلها.

كانت الملاحظة الأولى لتوصيف جريمة التعذيب بالعصي قد أخذت من الفيديوهات المنتشرة في مواقع الأنترنيت، ووسائل التواصل الاجتماعي التي تكشف أساليب حزب البعث في التعامل مع المعتقلين بطريقة الضرب بالعصي ولعل قصص المشاهدات الحية لهذه الممارسة البعثية البشعة قياساً مع ما كان يمارس بحق السجناء من جرائم أخرى، تعد مخففة وعادية ومألوفة وهينة عند كثير من المعذبين بهذه الطريقة.

فجريمة التعذيب بالعصي تعد جريمة ضمن الإطار القانوني، والحقوقي، والإنساني، والشرعي، والأخلاقي، وتعد كذلك لعدة مستويات منها:

  1. ما يتعلق بالكرامة الإنسانية.
  2. ما يتعلق بانتزاع الاعتراف بالإكراه.
  3. وما يتعلق بالحالات الصحية، والمرضية، لكثير من المعتقلين والتمادي على انتهاك قانون الاعتقالات فيها… وغيرها.

ما أساليب التعذيب بالضرب التي كان يمارسه عناصر الإجرام البعثي بحق العراقيين؟

الإجابة عن هذا السؤال، ممكن اختصارها بما ينحصر وعنوان المقال، وهو (الضرب بالعصي) ويمكن التفصيل بها ليشمل كل أنواع الضرب الذي يتطاول به مجرمي البعث بحق الضحية، مثل: الضرب بالكابلات، والأدوات الحديدية، والمطاطية المعبئة بالحصى، أو بالحجارة، أو باليد، وكل ما يتناوله البعثية للنيل من الضحية.

ما هو مشهور في أساليب الضرب عند الاعتقال هو الضرب بالعصي والتي فيها أنواع مختلفة أيضاً، منها: العصي الكهربائية، وعصي الخيزران، وعصي التوت، وعصي الصاج … وغيرها بعضها مصنوع ومعد لهذه الطريقة، من قبل نجارين، وبعضها عادي، وهو تناول العصي الخشبية على طبيعتها والتي سرعان ما تنكسر على جسد الضحية من قوة الضرب، مما يضطرون بعدها أما إلى جلب عصي أخرى، أو التوقف عن تعذيب الضحية.

كانت مشاهد التعذيب بالعصي تمثل رعب كبير يكتنف شخصية المعتقل والتي قد يتلقى مثل هذه الضربات منذ اللحظة الأولى لاعتقاله، وحتى تسليمه لجلاديه داخل السجون وغرف التعذيب، وقد كانوا يمارسون بحقهم طريقة التعذيب بالعصي أما بطريقة ممنهجة وهو الضرب على مكان واحد في الجسم، وأما بشكل عشوائي أين ما يؤلم الضحية ويناله؛ لأن كثير من عمليات التعذيب بضرب العصي كانت تتم بحجر الضحية في غرفة ما، أو ساحة، وملاحقته من قبل الجلادين والضرب عليه أما بشكل منفرد أو جماعي من قبل أزلام النظام.

وبعض الطرق الأخرى كانت عبر توثيق الضحية، وربطها إلى جدار، أو عمود، أو تعليقه في سق المعتقل، أو إلى مسند معين، حتى يتسنى تعذيبه بشكل مكثف ودقيق ومؤلم؛ لأن الضحية لا يقوى على الحركة.

أظهرت المشاهد الفيديوية أن هناك عملا جماعيا يقوم به جلادو النظام مع الضحية فهم يستعدون لذلك استعداد بدني وعضلي ونفسي وتنظيمي، فنراهم يهيئون العصي، وينزعون ملابسهم العلوية (القميص) ويبقون فقط في البنطلون، ويتكالبون على الضحية بالضرب أين ما تقع الضربة! حتى يُغمى على الضحية، أو يموت، أو يُعذب حتى الانهيار النفسي والبدني، أو تحدث به عاهة مستديمة، مثل تلف العين، أو جهاز آخر من أجهزة الجسم الحساسة، ومن دون الاكتراث لذلك، فهم يتعمدون إلحاق الأذى بالضحية.

ومثل هذه المرحلة من التعذيب قد تكون سابقة على مراحل التحقيق، وأحياناً أثناء التحقيق، أو بعد التحقيق، وأحياناً تكون مع تصاعد شهوة الجلاد للتعذيب وأخرى عبر برامج تعذيبي معد لذلك.

هذه القسوة التعذيبية الوحشية بطريقة الضرب بالعصي، هل كانت تمارس على الرجال فقط؟ أم أنها شملت النساء والأطفال؟

تذكر الوثائق أن وحشية التعذيب الضرب بالعصي لم تستثن فئة من دون أخرى، فقد كنا نلاحظ عصي الخيزران تحت أبط رجال الأمن البعثية المجرمين، وهم يتجولون بالشوارع، وعند دخولهم المنازل عند المداهمات، وعند وقوفهم في السيطرات الثابتة والمؤقتة، وكان التعذيب بضرب العصي يشمل جميع من يُعتقل اشتباهاً أو اتهاماً من النساء أيضاً والأطفال والفتيان من دون السن القانوني.

هذه الممارسات غير القانونية جعلت من توصيفها الإجرامي ممكن وواقعي وقانوني؛ لأنها تمارس من دون غطاء قانوني مع كل المعتقلين المتهمين منهم أو الأبرياء، ولم يراع بهم أي قانون يضمن حقوق الإنسان المعتقل؛ لأن أصل الاعتقالات لم تكن قانونية، بل سياسية جيرت لصالحها القوانين القضائية لإلحاق الأذى بالمجتمع غير البعثي، والصدامي بشكل عام ، وهو التصنيف الذي يُحدد إجرام أزلام النظام بحق العراقيين للتفريق بين (المجتمع البعثي – والمجتمع غير البعثي) الذي سلط الأول على الثاني بطريقة وصلت حدود الإبادة كما فعل مع الكرد والمجتمعات المعارضة من وسط وجنوب العراق وغيرها من المدن العراقية الأخرى.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن حمل العصي لتعذيب المعتقلين لم يقتصر على صغار عناصر البعث ورجال الأمن فيهم، بل كان يمارس من قبل كبار أزلام البعث وجلاديه في السجون وخارجها.

ما الآثار النفسية التي لحقت بالمعذبين بطريقة الضرب بالعصي؟

لا يمكن حصر الآثار النفسية التي تعرض لها المعذبون بطريقة الضرب بالعصي؛ لأنها شكلت عند كل واحد منهم تجربة قاسية لا يمكن نسيانها، فالضرب يأتيهم مرة بشكل مفاجئ، ومرة بشكل معلوم ومنتظم، في أوقات المساء، أو الصباح، أو الظهر، أو العصر، ومرة على يد جلادين معروفين، ومرة على يد جلادين جدد، ومرة تكون بشكل قاسي، وعنيف، ومرة بشكل مخفف وبسيط.

فقرائن ذاكرة التعذيب بالعصي تركت عقدا نفسية وعقلية عند غالبية المعذبين، فضلاً عن العلل والآلام الدائمة والأضرار البليغة ، فأغلبهم يتذكرها بألم كبير كلما شاهد عصى،  أو شاهد رجل يحمل عصى، أو شاهد أحدهم معاق في جسمه أو تذكر شكل جلاده، أو تذكر شكل العصى، ونوعها، وسمكها، وحجمها، فهذا الألم بقي يكتنف نفوسهم ويعيش في وجدانهم، مما تسبب بإسقاطات سلبية كبيرة اتجاه كل الحالة التي سببت لهم ذلك، من سياسة، ومجتمع، وقوى أمن فالكره الذي يحمله كثير منهم اتجاه رجال الأمن والسلطة والمجتمع لا يمكن أن ينفك عنهم حتى يعد زوال أسبابه واختلاف ظروفه ؛ لأنه ترك آثار سيئة عن مفهوم السلطة، والأمن، والنظام.

فوسيلة التعذيب بالعصي: وسيلة قد اعتمدها البعث المجرم بحق الأبرياء من أبناء الشعب العراقي، وأختار مجرمين مدربين ومنحهم سلطة مطلقة في ممارستها مع من لا ينتمي لمجتمع بعثهم الفاسد.