ataba_head
banarlogo

(شلك بالروح تداريها) … تطرف فكري وانحراف عقائدي 

(شِلكْ بِالروح تَداريها) … تطرف فكري وانحراف عقائدي 

أ.د. حسين الزيادي

 

 

أنشودةٌ روّجَ لها البعثُ وجعلها شعاراً في تدريباته العسكرية، ربما يمرّ عليها بعضُهم مرورَ الكرام، لكنّها في واقع الأمر تحملُ دلالاتٍ واتجاهاتٍ فلسفيةً عميقةً وتعكس ُ بوضوح آيدلوجيا العنف والتطرف والانحراف الفكري والعقائدي، فخطورةُ مضامين هذه الأنشودة لا تقلُّ عن خطورة الجرائم الإرهابية، لأنّها تقومُ على أساس توظيف المعجم الحربي وخدمة مشروع سياسي معين والتضحية من أجل نظام حكم منحرف في ظل ثقافةِ التسلط والأنانية والشعارات الفارغة، كما تهدفُ إلى بثِّ الحماسةِ في نفوسِ الجنودِ ودعوتهم إلى الاستهانةِ بالحياةِ البشريّة التي تعدُّ من أجلِّ نِعم الله تعالى علينا تماما كما في قوله عز وجل: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)(الاسراء:70)، والأنشودة في مضمونِها العام تتعارض تماماً مع تعاليم الله – سبحانه وتعالى- الذي وضع دستور متكامل للتعامل مع الحياة فيقول تعالى ‏: (وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ) (القصص‏:77)، والروح أعظم مخلوقات الله سبحانه وتعالى شرفها الله وكرمها غاية التشريف والتكريم فنسبها لذاته العلية في كتابه الكريم، فقال جل جلاله (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)( الحجر:29).

   تتكون الأُنشودة من مقطعين الأول يدعو لنبذ الحياة وكلمة (شِلك) بكسر الشين هي مفردة عراقية تعني –لا حاجة لك – أما كلمة (اداريها) أي بمعنى تعتني بها أو توفر احتياجاتها، أما الشطر الثاني فيذهب إلى الموت وبأنَّه النهايةُ الحتمية للحياة وأن التضحية للحكام أو النظام القائم هي الأفضل في ظل حتمية الموت، وبالبحث والتقصي يتضح أن الحركات المتطرفة عموماً تدعو في أهازيجها وأناشيدها إلى قتل النفس والاستهانة بالحياة واحتقارها والاستخفاف بها لتحقيق أهداف وغايات ضالة ونوايا خبيئة.

    يُعَدُّ إنتاجُ الأناشيد استراتيجيةً مؤثرة اتبعها نظام البعث وناجعةً إلى حد كبير للتأثير في سلوك الآخرين لاسيما اليافعين والشباب، والتلاعب بعقولهم، والتحكم في ببنيتهم النفسية؛ حتى يتخذوا قرار الانتماء إلى آيدلوجيا الموت وقد انكب المختصين في الدراسات الأمنية والتطرف العنيف في السنوات الأخيرة على تحليل هكذا أناشيد، لأنَّ ترديد الأُنشودة بصفة يومية تسهم في ترسيخ الفكرة حتى أنه يُخَيَّل إلى الأتباع أن ما يفعلونه صحيح ومطابق لما جاء في الشريعة الإسلامية، وأنَّها في نظرهم تنفيذ لأوامر الله.

  فالحياة بهذه الصفة هي هبة ربانية ومنحة صمدانية،‏ أرشدنا الله – سبحانه وتعالى- كيف نتعامل معها، وكيف نتمتع بها‏ وفق السياقات التي شرعها الإسلام,‏ أرشدنا –سبحانه وتعالى- لما فيه صلاح الدين والدنيا‏،‏ فلولا هذه النعمة ما وجدنا هاهنا، فهو جل وعلا الحي ومصدر الحياة، خلق هذا الوجود، وهيّأ لنا فيها كل أسباب الحياة واستمرارها، وأنه لم يخلق من أجل الشقاء والتعاسة، وإنما خلق من أجل السعادة والهناء في الحياة الدنيا، والراحة والنعيم في الحياة الآخرة، فأكَّد سبحانه بصيغة الأمر عدم نسيان نصيبنا منها،‏ وأمرنا بالتأمل والتفكر فيها، ‏وجعل ذلك من سمات عباد الرحمن الذين يذكرون الله كثيرا‏، فالمسلم هو الذي يحب الحياة،‏ ويعرف قيمتها ، لكنه لا يضعها في قمة اهتمامه فتحجبه عن الله‏ سبحانه، أما الدعوة لقتل النفس لأسباب دنيئة فيعد جريمة ومعصية بأدلة من المنقول والمعقول، قال الله تعالى: ﴿ولا تقتلوا أنفسكم﴾. فالنفس ملك لله، والحياة وهبها الله للإنسان، فليس له أن يستعجل الموت بإزهاق الروح في سبيل حكم منحرف او نظام فاسد لأن ذلك تدخلا فيما لا يملك وهي من أقبح الكبائر.