أساليبُ التعذيب والجريمة البعثية
جريمة قطع الرؤوس ح4
الأستاذ المساعد الدكتور
رائد عبيس
جامعة الكوفة – كلية الآداب
لا تعدُّ عمليةُ قطع الرؤوس طريقة غريبة في تأريخ البشرية، فقد لجأ البشر إلى قطعِ رأس أحدِهم للآخر، كوسيلة عقابية فيما بينهم، ولعلها تعدت ذلك وصارت فعلا تخصصيا واحترافيا عند من يوكل لهم ذلك بين تنظيمات السلطة الأمنية التي تتلقى بالعادة تدريبات على هذا النوع من العقوبات، ووصفناها بالجريمة وتوصف كذلك؛ لأنها تخطت كل بعد إنساني، وقانوني، وشرعي، وهي جزء من التمثيل بالضحية أو القتيل، وتتجاوز حدود القتل الطبيعي.
لجأت أنظمة سياسية كثيرة عبر التأريخ إلى هذه الطريقة في مواجهة خصومها، لما لها من رمزية كبيرة تعبر عن حقيقة الاجتثاث، وتعبر أيضا عن قطع الفكرة عن محتواها، أو قطع العقل عن أدواته.
فقد نال هذه العقوبة رموز كثر عبر التأريخ، لما يحملون من أفكار ورسالات وحكمة ومنطق فوقعت هذه العقوبة والجريمة على الأنبياء، والرسل، والحكماء، والمفكرين، والفلاسفة والقادة الروحيين وقادة الحرب وأصحاب الدعوات الإصلاحية المعارضة لسلطة الأنظمة الفاسدة فعملية قطع الرأس تعبر عن عملية استئصال لكلّ فكرة ومحاولة وأدها، وقطع للفكرة عن جمهورها بما يصطلح عليه (بالعقل المدبر).
كانت تتم عملية قطع الرؤوس في تأريخ القتل بالوسائل التقليدية، مثل: السكين، الحربة، السيف، الرمح، وذلك لعدم امتلاكهم غيرها أما في العصر الحديث والحقب المعاصرة، فقد يكون اللجوء إلى تلك الوسائل التقليدية في قطع الرؤوس يحتاج إلى سؤال ووقفة؛ لأن آلات القتل الحديث سهَّلت كثيرا من الجهد في تلك العملية، وأقصد عملية قطع الرؤوس مثل: الرمي بالرصاص، وأحواض التيزاب، وغيرها من الآلات المبتكرة.
فلماذا قطع الرؤوس؟ ولماذا التهديد بها؟ ولماذا اللجوء إليها، أو التدريب عليها؟
يمكن الإجابة على هذه التساؤلات عندما ننظر إلى الطبيعة النظام وتشكيلاته وخلفياته العقائدية والسياسية والاجتماعية والدوافع التي تجعله يتخذ من عمليات قطع الرؤوس رمز لقسوته ووحشيته وتسلطه على رقاب الناس، الذي يعد قطع الرؤوس دلالة على ذلك التسلط وجعل رؤوسهم بين قبضة سيفه وإرادة قتله وعلى الرغم من أنَّ عملية قطع الرؤوس تتم بأدوات كثيرة سبق وأن ذكرناها، إلا أن السيف له دلالته في هذه العلمية.
وذلك لعلاقته التأريخية مع رأس القتيل، سواء أكان موقفه بريئا أم مجرما.
فالأنظمة السياسية الحديث اعتمدت على هذه الطريقة في معاقبة الخصوم ولعل المشهور منها الطريقة الإنكشارية التي تختزل الطاعة للحاكم المستبد وقسوته في فرض نظامه بالنار والحديد. وقد تم تقليد هذه الطريقة عند كثير من الأنظمة الشمولية الدكتاتورية المستبدة القاتلة.
وكان نظام البعث القاتل واحد من هذه الأنظمة، إذ عرف عن رمزه المجرم وقائده القاتل ولعه بعقوبة (قطع الرؤوس) فقد كان كثيراً ما يوصي جلاوزته بقطع رؤوس معارضيه، ومن يتوقع منهم ذلك وقد كانت عمليات قطع الرؤوس تتم بمرسوم جمهوري، وبمراسيم خاصة يحتفل بها منفذوها فرحاً وابتهاجاً، ولعل ذلك يعود لسببين: الأول هو نيلهم من الضحية العدو! عدو الوطن، والثورة، والقائد، والحزب!!!
والثاني: بطاعتهم لقائدهم ونجاح العملية وتنفيذها.
كان البعث القاتل قد درب أعدادا كبيرة من القتلة على عملية قطع الرؤوس أما بضرب الضحية بالسيف مباشرة وهو واقف، أو بعد تقييد أرجله وأيديه وغمض عينيه ووضعه على دكة، وبعدها يُضرب عنقه ويفصل الرأس عن الجسد كما هو واضح في كثير من الفيديوهات التي تسربت بعد سقوط النظام، وقد عرض بعضها في قاعة محاكمة مجرمي النظام البعثي القاتل.
إن وحشية نظام صدام قاطع الرؤوس، كانت تتمثل بهذه القسوة الفظيعة وهو الاحتفال بقطع الرؤوس، وأحيانا يقطع رأس الضحية أمام أهله وزوجته وأبنائه ووالديه، أو يقطعون رأس الضحية بشكل مفاجئ ومن دون مقدمات، وأحيانا بمقدمات لتدمير نفسية الضحية قبل قطع رأسه!
هناك رسالة من رئيس النظام (قاطع الرؤوس) إلى رئيس المحكمة الخاصة، يقول فيها: (لتكن أحكامكم صارمة بحق أولئك الذين لا يستحقون الحياة)، وكانت هناك رسالة أخرى من مكتبه في القصر الجمهوري، وهي إجابة عن تساؤلات عن اختيار نوع العقوبة المناسبة بحق المعتقلين، يقول لجلاوزته فيها: (أقطعوا رؤوسهم أو أفصلوا رؤوسهم النتنة عن أجسادهم). وفي رسالة أخرى يقول: (جزوا رقابهم) أو (دقوا أعناقهم).
كان هذا التوجيه العقابي، هو خارج نصوص القانون الجزائي العدلي في الدولة العراقية، كانت أوامر قطع الرؤوس بقرارات فردية وحزبية واتخاذهم لوسيلة تسلب حق الحياة بكون قطع الرأس عن الجسد، يمثل نهاية فعلية للحياة، كقطع الشجرة عن جذورها.
لذلك وصفناها بالجريمة؛ لأنها ليست جزائية، فهي عقابية إجرامية متوحشة، وقد طالت هذه الجريمة الأبرياء من نساء، ورجال، وأطفال، وشيوخ، في مراسيم خاصة أو بدونها، مصورة أو مسجلة، وموثقة أو غير موثقة، صادرة بكتب، أو أوامر إدارية، أو من دون ذلك.
فهي وسيلة مفضلة عند رأس هرم السلطة القاتل الذي لا يحلوا له إلا قطع الرؤوس بالفؤوس أحياناً!
علما أن لهذا المقال شواهد توثيقية، من كتب رسمية، وفيديوهات، وشهادات حية، وللقارئ الكريم الاطلاع على ما متوفر عنها في مواقع الإنترنيت.