الفاشية والبعث .. تطابق الرؤى ووحدة الأهداف
أ.د. حسين الزيادي
يبدو أنَّ الدراسات والأبحاث التي أجريت حول آيدولوجية البعث المتصحرة والقاحلة، لم تستطع الإجابة بدقة عن مكونات هذه الآيدولوجية المنحرفة التي تقوم على أساس إنهاء الآخر، لا مجرد رفضه، وللأسف لم يتطرق الباحثون على اختلاف توجهاتهم في تحليلاتهم للظاهرة البعثية إلا من خلال الغلاف الخارجي لها دون الغوص في الأعماق، ومقارنة تلك الظاهرة بالتيارات العالمية المنحرفة، ومنها الأفكار الفاشية والنازية التي تؤمن أن الأمم الأقوى لها الحق في مد نفوذها بإزاحة الأمم الأضعف، وإن العنف ضرورة لابد منها لحماية الثورة والحفاظ على منجزاتها، وتأسيساً على ما تقدم نحن مطالبون بإزاحة الستار وإماطة اللثام عن هذه الظاهرة المرعبة بوصفها بؤرة لتفريخ التطرف والإرهاب، وعلينا أن نعي أن فاشية البعث، في تطبيقاتها الميدانية ليست تجربة سقطت مع سقوط صاحبها، بل تظهر في إشكال كثيرة من النوازع والانحرافات الفكرية والأخلاقية والسلوكية، والممارسات التي تتكشف في ميادين السياسة والثقافة والإدارة، وإن المواجهة والحرب ضد الإرهاب يجب أن تنطلق أولاً من محاربة الفكر المتطرف، لكونه البيئة الجاهزة والحاضنة الأم لتفريخ الإرهاب.
ومن مظاهر التشابه بين الفكر الفاشي والبعثي هو الدعوة إلى الأممية فبينما كانت الفاشية تدعو الى إزالة الفكر القومي، كان عفلق يدعو إلى تفوق القومية العربية ومحاولة إذابة القوميات والأقليات القومية الأخرى في العراق، ومن جهة أخرى ربط حزب البعث الفكر القومي بالدين لاستخدام الأخير في الممارسات الإرهابية وتشويه الدين وتصفية رجالاته مدعياً على لسان مؤسسه أنه – اكتشف الدين – وحاول أن يبعث ديناً جديداً مشوهاً اخترعته ماكنته الاجرامية ليتناسب مع أفكاره وآيدلوجيته الفاسدة، وبعد أن استتبت له الأمور انطلق من مجال التنظير إلى مجال التطبيق العملي وأَطلق العنان لغرائزه الإجرامية فكانت حملات الإبادة الجماعية التي مارسها على غرار حملات الأنفال والحروب العبثية التي خاضها والتي اطلق عليها أسماء إسلامية، وفي المقابل نرى أن موسوليني يعتبر الفاشية مفهوم ديني خالص داعياً إلى إذابة المكونات الأخرى.
لذا يمكن القول إن أيديولوجية البعث المتفسخة ليست فلسفة واضحة المعالم ولا يمكن مقارنتها بالفلسفة الديمقراطية والفلسفة الماركسية؛ لأنّ المفاهيم في أيديولوجية البعث مضطربة تقوم على أساس إنهاء الآخر وليس التعارض معه أو رفضه، وقد سبق موسوليني تلامذته من منظريّ البعث في القول: “نحن الفاشيون لا نملك عقائد جاهزة، وفي هذا المضمار يتساءل رأس النظام البعثي ويصرح علناً في إحدى خطاباته: ما هو الدستور؟ أنا أشرع الدستور وأنا أغير الدستور، وهكذا كان البعث العراقي لا يملك فلسفة دستورية، ولا يؤمن بالمواد التي وردت في دساتير العراق المؤقتة، كما لا يؤمن بالممارسات السياسية جملة وتفصيلاً، وقد أكد البعث هذه الحقيقة حين قال: “نحن الجيل العربي الجديد نحمل رسالة لا سياسة…”، فرسالة البعث المليئة بالتعاليم الشوفينية والعنصرية لامجال لديها للاعتراف بالآخر، وأي حوار معه يعني خيانة لمبادئ الحزب.
ومن ناحية النظرية السياسية والفلسفية فإن آيدولوجية البعث توازي وبصورة كبيرة الفاشية الإيطالية، و لا تقل عنها وحشية وتطرفا وإجراماً، فقد أباد هذا الحزب مئات الآلاف من العرب والكورد واستعمل السلاح الكيمياوي لكي ينهي حياة آلاف المواطنين الكورد خلال ثواني معدودة، وقام بتهجير الآلاف من العوائل بحجة التبعية وسحب الجنسية منهم وأزال آلاف القرى والقصبات من على الخارطة الجغرافية العراقية بعد تجفيف الأهوار.
ومن المبادي المشتركة بين الفاشية والبعثية مبدأ الغاية تبرر الوسيلة فالنضال بالنسبة للبعث ليس وسيلة فحسب، إنما هو غاية في حد ذاته، وإن حماية الثورة والحزب فوق أي اعتبار.
إن إذلال الخصم وإبادته هو من صميم العقيدة البعثية التي تعدها من أساليب الحزم الثوري، وهو أمر يشترك فيه البعث مع النازية فقد كان لهتلر الرؤية نفسها.