banarlogo

التعذيب وسيلة حكومة الجور البعثية / 2

التعذيب وسيلة حكومة الجور البعثية

ح2

الأستاذ المساعد الدكتور

رائد عبيس

عضو المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف

اختار النظام البعثي المقبور طريق الحكم بالدم, والنار, والحديد, مع أبناء الشعب العراقي , معتقداً أن القوة  والهيمنة والتسلط طريقة حكم ناجحة  تحمي نظامه وتحفظ سلطته , متجاهلاً حقائق التاريخ ووقائعه التي أطاحت بجبابرة حكم سابقة في التاريخ البعيد, والتاريخ القريب.

اتبع النظام وقياداته الدموية أساليب حكم غبية جداً , كان أول معالم هذا الغباء هو بمعادات الشعب وتحويله إلى عدو شرس, ناقد, وناقم, ومنتقم, ومعارض, ومحارب لا يهيد, اختار البعث المجرم لنفسه عدوا قريبا, يعيش بين ثناياه ويشارك معه, ويتقاسم كل تفاصيل الحياة اليومية, من خلال عناصره البعثية السفاكة القاتلة أخذ يتحين المناسبات, والمواقف, والصدف, والدلائل, والشهود, والفرص ليثبت لنفسه أن الشعب عدوه , وأن هناك فئات اجتماعية تعمل بالضد منه, وإن جذورها ووجودها ونشاطها يشكل تهديدا فعليا عليه, وإن كان موهوماً،  إلا أن المنظومة القائمة على الفعل الشرس هرمياً دفعت كل من له يد تنفيذية أن يتخذ لنفسه فيها منهجاً سواء كان تقليدياً, أو مكتوباً, أو طارئاً.

فالجرائم التعذيبية التي كان يمارسها أزلام النظام القاتل كثيرة, وتحت عنوان التصرف الحر مع الضحية, بمعنى عمليات تعذيب غير مبرمجة أحياناً, وأحياناً أخر تدخل ضمن برامج التعذيب المعتادة والمنصوص عليها, أو المأمور بها, من داخل السجون النظامية, أو المُعتقلات التي كان يستخدمها النظام, مثل : المدارس , المعسكرات , أو دوائر الأمن.

فكان الأسلوب الإجرامي الوحشي الذي اتبعه النظام – بكونه اتخذ لنفسه هذا النوع من أساليب الحكم والإدارة – مرّ بثلاث مراحل عكست هذه النزعة الدموية لديه : الأولى كانت مع النظام نفسه ,حيث إعدام عناصره التي لم تظهر ولاءً كافياً له, وكانت قلقة من مستقبل وجوده وعدوانيته القاتلة . وثانياً مع أبناء الشعب العراقي كافة من دون استثناء , وثالثة مع الأجانب, والعرب, والجيران العراقي, حيث حربه مع إيران وغزوه للكويت.

ما الذي دفع حزب البعث إلى اتباع هذه الأساليب واللجوء إلى جرائم التعذيب مع الشعب العراقي في أول مراحل حكمه ؟  وكيف استطاع أن يزرع هذه النزعة الإجرامية القاتلة عند عناصره؟

لا يخفى أن هناك أسبابا كثيرة ممكن أن تكون إجابة عن هذين السؤالين, الأولى هي النزعة الصدامية الدموية التي انعكست على نماذج الحكم بين صفوف البعث وقيادات الدولة وثانياً هي سياسة الحزب القائم على إزاحة الخصوم سياسياً, فكان الطريق الأقصر لذلك هو التصفية الجسدية, فضلاً عن الارتباطات المشبوهة لكثير من عناصر حزب البعث مع جهات خارجية مشبوهة تتوقع قيادات البعث أنها تشكل خطر على وجوده.

أما عن الكيفية فيمكن أن نفسر ذلك , من خلال بحث النظام عن عناصر إجرامية, كلفها بمهام رسمية, قامت بتنفيذ كل ما يطلب منها من عمليات قتل وتعذيب وغيرها وكذلك التدريب القائم على أسس عدوانية, وعنصرية, وعدائية, وإجرامية, فاقت كل الأبعاد الإنسانية فيها وقد أوفد البعث عشرات الفرق للتدريب في روسيا وغيرها من البلدان على الوسائل الوحشية في التعذيب.

لا يعكس التعذيب قسوة المعذب فقط , بل يعكس قسوة النظام  وما ركزت في وجدان المعذبين خلاصة العنف السلطوي بأبشع ذاكرة وقصة وشهادة وألم, وفقد, وفراق, وعذاب نفسي, وجسدي, وعاهة, وقرائن, وشعور بالرعب والرهبة, والمخوفة, والظلم, وقد خلف نظام صدام الدموي المازوخي كل هذا في نفوس من وقع ضحية نزعاتهم المرعبة و وحشيتهم الكاسرة، وألهم كل من كان على شاكلته أو من لديه الاستعداد لذلك أن يتبع هذا النهج, وبكل مستوياته, وبأبشع قسوة وإرهاب, كقتل الأطفال, والنساء, والضعفاء من الرجال وكبار السن منهم.