أساليب التعذيب والتطرف بين حزب البعث وداعش
أوجه التشابه والاختلاف
الأستاذ المساعد الدكتور
رائد عبيس
عضو المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف
اعتادت الأنظمة المتطرفة بالعدوانية والقسوة اتخاذ “الجسد ” موضوعاً للتعبير عن مدى إجرامها ووحشيتها وقد تفننت في ابتكار وسائل تعذيبه بطرق مختلفة على امتداد التأريخ البشري وبكل ما أتيح من وسائل فيه حتى وصلنا إلى زمن التطور الصناعي الذي تطوّرت معه وسائل العقوبة والتعذيب والتمثيل بالضحية بأبشع ما يمكن تصوره.
عرف الزمن الحديث والمعاصر نماذج تعذيب متنوعة، عُذّب بها المعتقلون لا سيما السياسيون منهم، بعضها تقليدي وآخر متطور. وكل عميلة تطوير في الأساليب يعكس تملك نزعة التعذيب والتطرف فيها، إذ استخدمت الأنظمة الدكتاتورية المتطرفة سياسياً التكنولوجيا لتطوير وسائل التعذيب بشكل مرعب، وبدأت تتنافس الأنظمة فيما بينها على الأفكار، والجودة، والفاعلية، وبدأت تصديرها وتبادل أفكارها والخبرات فيها.
استعان نظام صدام المجرم بهذه الطرق وأخذ ينقل تجربة الأنظمة السابقة له ، فبدأ باستيراد كثير من أجهزة التعذيب ، وأرسل فرق من عناصره المنتقاة لهذا الغرض للتدريب في بلدان لها سوابق خبرة في ذلك ، كما يذكر أن صدام المجرم وأزلامه قد ابتكر كثيرا من وسائل التعذيب الوحشية بحق المعتقلين من العراقيين والعرب والأجانب.
تنوعت الأفعال التعذيبيّة ووسائله عند البعثيين المجرمين بحق من يتخذوه عدواً أو يستهدفوه لشبهة وغير شبهة، فمنها ما كان تقليديا ومعروفا ومنها ما كان مبتكرا وسريا ، اختلفت مراحل استخدامها بحق المعتقلين والسجناء بحسب مراحل التحقيق، وبحسب التهمة، وحجمها وخطورتها وأهميتها.
وعند مقارنتها أو مقاربتها مع جرائم التعذيب الذي اتبعه نظام داعش الإرهابي نجد هناك تشابها واختلافا نسبيا عن الجرائم التي كان يتبعها نظام البعث القاتل .
عناصر التشابه تعود لأسباب منها : أولاً الصلة التأريخية بين نظام البعث والجماعات التكفيرية المتطرفة، وثانياً انخراط كثير من عناصر البعث ذات السجل الإجرامي مع عناصر داعش ، و ثالثاً توحيد جبهة البعث وداعش بكون العدو لهم مشترك وهم الشيعة على وجه الخصوص، كما أعلنت داعش مراراً والبعث كذلك و رابعاً اعتماد نفس الأسلوب الإجرامي الصدامي واستعارة تجربته في التعذيب والقسوة.
وحشية عناصر داعش كانت مكملة للسياسة الوحشية التي بدأ البعث في الإيغال بالقوة والعنف والتطرف.
وقد اتبعت داعش الوسائل التعذيبيّة التقليدية وغير التقليدية التي كان يستعملها البعث وهذا ما قارب التشابه فيما بينهما.
أما أوجه الاختلاف فقد كانت في استعمال وسائل حرق الضحايا في أقفاص حديدية أمام الإعلام ، وحرق الضحايا نصفيا أو كلياً بمادة الكاز واستعمال طريقة بساط الريح ، وطريقة القراصة لتعذيب النساء من حلمة الثدي.
فمهما تشابه القتلة والسجانون والمعذبون أو اختلفوا يبقى الجسد هدفهم الضعيف والمهم في الوقت نفسه، فالتعذيب الجسدي ينطوي بالضرورة على تعذيب نفسي مصاحب ولكن قد لا يحصل العكس بسهولة أو بشكل ملحوظ، فما قيمة التعذيب للجسد إذا كان مصير المعذب بالنهاية الموت عند الجلاد ؟ فالموت المباشر الذي يطال الضحية بالقتل الفوري قد لا يشفي غليل ونزعة الإجرام التعذيبي والمازوخي التي تتلذذ بتعذيب الضحية، فالإعدام أو أي وسيلة موت مباشر قد يكون عامل راحة لكل من قرر بشأنه ذلك.
إلا أن التلذذ بتلوين الجسد جرآء التعذيب، أو قطع جزء منه، أو ذوبانه، أو حرقه، أو سلخه، أو تمزيقه، أو ثقبه، أو تعطيل وظائفه البايولوجية، بدواء، أو سم، أو مادة كيماوية، أو ضربه، أو إتلافه، أو إحداث عاهة مستدامة به، لا يمثل إلا روح الوحشية القابعة خلف شكل الآدمية الخادعة عند البعثيين أو الدواعش أو من فعل فعلهم من مجرمي العالم.