banarlogo

سياسة التأميم سنة 1964 م والموقف من التجار العراقيين الشيعة

سياسة التأميم سنة 1964 م والموقف من التجار العراقيين الشيعة

د. قيس ناصر

باحث وأكاديمي

 

 

 

 في سياق عنوان المقال، يمكن القول إنَّ سياسة التأميم لسنة 1964م، وبشكل مختصر، يوجد لها تفسيران هما:

التفسير الأول: الذي يذهب إليه مؤلف كتاب “مشكلة الحكم في العراق” وآخرون من الباحثين المعاصرين، الذي يشير فيه إلى زيارة طاهر يحيى رئيس الوزراء حينذاك إلى سوق الشورجة

وهو السوق الرئيس في بغداد بشكل خاص والعراق بشكل عام قبل المباشرة في سياسة التأميم، وقد شاهد مجالس العزاء المتزامنة مع ذكرى إحياء عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام، وعندها قرر يحيى إقصاء التجار الشيعة من العرب والكورد الفيليين من السوق من خلال تأميم مجموعة كبيرة من الشركات التي كانت تعود إليهم .

أما التفسير الثاني: وهو التفسير الذي يذهب إلى القول بأنَّ سياسة التأميم كانت نتيجة المد القومي وتماهياً مع سياسة مصر في ستينيات القرن العشرين، التي اعتمدت التشريعات الاشتراكية.

  والتفسير الأول، كما تم الإشارة إليه هو لـ “عبد الكريم الأزري”، الذي كان له دور بارز في مجلس الإعمار من خلال عمله وزيراً للمالية في العهد الملكي، وساهم بوضع أسس البنية التحتية للتنمية في العراق، لاسيما في بناء عدد من المشاريع الكبرى، التي اعتبرت إنجازاً للدولة العراقية حينذاك على الرغم من شحة مواردها النفطية، وهنا ليس الحديث عن الأزري بقدر ما، الإشارة إلى موقفه أو تفسيره لمشكلة الحكم في العراق، وتركيزه على مسألة الاضطهاد الطائفي، التي أخضعت تاريخ العراق السياسي بمجمله لها، ولا سيما في كتابه مشكلة الحكم في العراق ومذكراته التي تضمنت جزأين، ووفق رأي الأزري أن سياسة التأميم كانت تستند لسياسات طائفية وليست اقتصادية، وتستهدف ضرب التجار الشيعة والرأسمالية الشيعية من العرب والكورد الفيلية، الذين كانوا مهيمنين على قطاعات التجارة والصناعة في العراق، نتيجة لإقصائهم عن مؤسسات الدولة من الجيش والشرطة والوظائف الحكومية الاخرى، وهذا الأمر دعاهم إلى اللجوء للتجارة كمهنة ممكنة، واستطاعوا بناء مكانة مركزية في سوق الشورجة، وهذا التفسير الذي يقول بأن سياسة التأميم هي سياسة طائفية، لم تكن لباحث معنياً بالتفسير النظري فحسب، إنما لوزير مالية قد مارس الجانب المهني وتصدى لتفسير مشكلات الإدارة والحكم في العراق والمساهمة في حلها .

  وفي الوقت نفسه، إن تشريعات سياسة التأميم، وإن كانت متأثرة بالمد القومي والاشتراكي، إلا أنها بشكل عام لا تخلو من سياسة طائفية اتبعها الحكم في (1963-1968م) ضد التجار الشيعة، الذي كانوا مُلاكاً لمجموعة من المصانع، وهذا ما يذكره أيضاً مجموعة من الباحثين منهم: مؤلف مقال (العراق… غبن عتيق جمع بين الشيعة والكرد)، ومؤلف كتاب الهوية والأمة في العراق، ولا سيما في إشارتهما إلى مضمون رسالة المرجع الديني الراحل السيد محسن الحكيم(قدس سره) في سنة 1964 م إلى طاهر يحيى رئيس الوزراء، ومضمون الرسالة التي نقلاها عن مؤلف كتاب أساطين المرجعية العليا، في جزء منها، “إن من واجب الحكومة أن تنظر إلى مختلف أبناء الشعب بنظرة واحدة، دون تمييز أو تفريق بين قومياتهم ومذاهبهم، حتى يشعر الجميع بأنهم يعيشون في ظل حكومة تسهر على مصالحهم، وتحفظ لهم كرامتهم ويؤسفني أن أرى فجوة بين الشعب والحكومة”  إلى نهاية الرسالة التي تحتوي على تشخيص واضح للسياسة الطائفية التي انتهجها النظام البعثي الأول تجاه الشيعة بشكل عام وتجارهم بشكل خاص، الذين صودرت مصانعهم، واستمرت هذه السياسة الاقصائية بقسوة مع النظام البعثي لاحقاً، الذي صادر أيضاً أموال مئات التجار الشيعة وتم تهجيرهم ليس بعنوان التأميم إنما بعنوان التبعية !!!!!