banarlogo

موقف النظام البعثي من التجار العراقيين الشيعة –حادثة نيسان 1980-

موقف النظام البعثي من التجار العراقيين الشيعة –حادثة نيسان 1980-

د. قيس ناصر

باحث واكاديمي

 

 

    إنَّ سياسة النظام البعثي تجاه خصومه لم تقتصر على الترهيب والتصفية، بل تعدى ذلك إلى الصراع على التاريخ والثقافة، والاقتصاد والصناعة والتجارة….إلخ، وفي هذا السياق  تم توظيف كل شيء واخضاعه لهم، ولم تستثن من ذلك الذاكرة التأريخية لتعزيز مشاعر الريبة والخوف من الآخر فضلاً عن عدم الثقة، وقد عمل النظام البعثي على تعزيز هذه المشاعر عبر تقديم نموذج متخيل للمجتمع يتمثل بأن العراق من الناحية التأريخية كان يعيش مؤامرات داخلية وخارجية، وربما كتاب المدارس اليهودية والايرانية في العراق مثالاً على ذلك .

   يعترف فاضل البراك- أحد رموز الأجهزة القمعية- في كتابه المدارس اليهودية والإيرانية، كشكل من أشكال إعادة كتابة التاريخ كما تريده سلطة نظام البعث، التي عملت على إقصاء العديد من العراقيين الشيعة تحت عنوان التبعية، إذ كانت مفردة التبعية كفيلة بإقصاء المواطن العراقي من العمل في القطاع الحكومي والخاص، وحتى قبل سقوط النظام البعثي كان أحد شروط القبول في الدراسات العليا أنه ليس من التبعية الإيرانية، وهذا الموضوع له جذوره وتم مناقشته من باحثين كثيرين خلاصته أن أجداد العراقيين المعاصرين كانوا أما من تبعية عثمانية أو فارسية، بل أن العديد من الأسر العربية المعروفة قد سجلت نفسها من التبعية الإيرانية لتجنب الخدمة العسكرية في الجيش العثماني، وموضوع التبعية كان مرتبطاً بما قبل تشكل الدول العراقية في 1921م، فاستثمر النظام البعثي هذه المسألة لإقصاء الشيعة لأن بعضهم أجداده من التبعية الإيرانية، وعلى هذا الأسا قام النظام البعثي بإقصائهم.

   وبالعودة إلى البراك، فإن الأمر لم يقف عند التجار الشيعة، بل وصل إلى إقصاء عضوين من أعضاء محكمة التمييز العراقية، في 1975م لأنهم تبعية وتجدهم أي البعثيين لديهم  تفسيرات واهية لعملية الإقصاء التي طالت التجار الشيعة وأبناءهم، كما في سردهم لقصة تاجر صناعة المكائن والمعدات كامل جواد رضا، وابنته أزهار، ولأنها كانت تعمل في المؤسسة العامة للتنمية الصناعية، فهذا كفيل بوجود تعاون بينهما حسب التفسير البعثي!!!، وكذلك الأمر مع قضية التاجر حميد رضا هادي مالك معمل النسيج، التي كانت ابنته تعمل مهندسة في الشركة العامة للغزل والنسيج!، هل هذا التفسير يكفي لمصادرة الأموال وتهجيرهم إلى خارج العراق!؟

   وفي إحصائية البراك إنه كان يتواجد أكثر من 3000 تاجر (تبعي) والمفردة هنا لا ترتبط بلغة الإزدراء فقط، مثل: عجمي وشروكي وغيرها، إنما تعني الإقصاء من الحياة العراقية بشكل كامل، وحجم التجارة التي كانت يمتلكها التجار الشيعة في العراق ليس من حيث العدد، إنما من حيث الإمكانية المالية والاستثمارية، فكما يشير البراك، إنَّ مُلكية تاجر واحد من (التبعية) قد تساوي مُلكية 100 تاجر من غيرهم، ولهم هيمنة على المصانع والمعامل وتجارة الجملة .

   وعلى الرغم من سياسة التأميم التي اتبعها النظام البعثي الأول وتمت مصادرة العديد من المصانع، إلا أن التجار الشيعة استطاعوا المحافظة على بعض مكانتهم الاقتصادية في النظام البعثي الثاني على الرغم مما لا قوة من إقصاء ومصادرة للأموال، حتى نيسان 1980، لحظة مصادرة أموال التجار الشيعة الكورد، الذين كانت لهم قوة اقتصادية ملموسة في مجال تجارة الجملة، إلا أن حملة التسفيرات قد شملتهم بقصة معروفة لجميع العراقيين، ومن الناحية المعرفية قد اهتم بدراسة الموضوع مؤلف كتاب التهجير والنظام السياسي في العراق (1963-1991)، فبعد أن تمت دعوتهم إلى غرفة تجارة بغداد في الأول من نيسان 1980، للاجتماع بنائب رئيس الوزراء طه ياسين رمضان ووزير التجارة لغرض منحهم إجازات استيراد، وبعد أن اجتمع 600 تاجر ممن يحملون شهادة الجنسية العراقية، وعند وصولهم سحبوا الوثائق ليتأكدوا من انتمائهم الطائفي والقصة مفصلة كما ينقلها مؤلف الكتاب، فالذين يتم التأكد بأنهم ليسوا من الشيعة يُطلب منهم الخروج من القاعة، أما الذين من الشيعة فتم إخراجهم لاحقاً وجمعهم في حافلات وتسفيرهم خارج البلاد، بعد أسبوع من نقلهم من مؤسسة قمعية إلى أخرى، وبهذه العملية لم يبق للتجار الشيعة أي وجود له قيمة تذكر، وتم صناعة تجار آخرين  .