ataba_head
banarlogo

التطرف المرعب في القتل الذي تبيحه السلطة

التطرف المرعب

في القتل الذي تبيحه السلطة

دكتور رائد عبيس

عضو المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف

 

 

أُسّس في العراق منطق القوة وحكم التسلط الدموي والرغبة السياسية المشوبة بنزعة التفرد وشهوة العنف والاذلال والقتل، ولعل هذا التأسيس يأتي من تجارب الحكم التأريخية منذ زمن بعيد، ولعل شعار صدام الذي كان يطلقه (من نبوخذ نصر إلى صدام حسين) يمثل  الاستحضار الدائم لتجارب الحكم التأريخية العنيفة، وإمكانية تطبيقها وتقليدها والاستفادة من تجاربها.

إذ هيمنت على الخطاب الصدامي القيود التأريخانية المدمرة لعقلية حكمه للناس، فاستشهد بقسوة تجارب الحكام الذين سبقوه من التأريخ القديم، والحديث والمعاصر له، وبدأ يتخيل على أنَّ قوة السلطة لا تكتمل إلا على أنقاض عنفه، وخرابه، وجماجم ضحاياه، إذ عَدَّ الشعب الذي لا ينخرط في قناعته وحزبه ومبادئه – التي يطلقها لمنظومته السياسية والأمنية، والحزبية والعسكرية – عدواً ويجب أن يُجابه  ويقتل  ويضيق عليه حتى يرضخ.

لذلك أباح صدام لأتباعه ممارسة القتل، ونعني بالممارسة هنا إن يجعلها “سلوكا اعتياديا” يُمارس بوجه من يعترض سلطتهم، أو أن يشفي لهم شهوة القتل الجانحة، وهذه الإباحة هي نتيجة لإباحتها لنفسه ، قبل مؤيديه وأتباعه.

يذكر في تأريخ صدام الإجرامي في حزب البعث قبل السلطة، وفي حزب البعث في أثناء السلطة، وفي حزب البعث خارج السلطة، إنه مسؤول عن كل أوامر القتل وجرائمه، سواء أكان القتل تحت طائلة القانون ومواده التي وضعت لصالح حكم سلطته أي بمعنى عن طريق المحاكم، والمحاكمات الصورية، والقتل قبل المحاكمة في المعتقلات أم القتل خارج طائلة القانون الجنائي من خلال مجاميعه الارهابية بعد سلطته .

والقتل في قانون حزب البعث، هو قانون خوّل جميع أزلام النظام في الدائرة القريبة جداً، والدائرة الأقرب، أن تشهر السلاح بالقتل على جميع أعداء الحزب ، سواء أكانوا أعداءً واقعيين أم أعداءً متخيلين، أو أعداء متوقعين، أو الخوف من أعداء المستقبل، وهنا نتذكر عبارة لصدام كان قالها تنص على أن : ” النبتة الضارة تجتث من جذورها كي لا تنمو من جديد “. بمعنى يخاف من أعداء المستقبل، يخاف من أولاد المعارضين أن يكبروا ويصبحوا معارضين كذلك،  لذلك بادر صدام إلى عدم استثناء الأطفال من الإعدامات الميدانية لمعارضيه فعلاً أو المشتبه بهم باطلاً، وهذا شرُ أباحه، وأقسى، وأشد وحشية.

فالقتل الذي أباحه صام لنفسه وأزلامه، كان قد بدأ من هنا، من قتل الأطفال، القتل الذي درب قلوب مجرميه عليه، ومن قتل النساء ،بدأ بالأضعفين “الأطفال والنساء” وتصاعدت قسوة القتل المباح بعثياً مع أبناء العراق إلى مستويات عنيفة وبغيضة جداً، تعكس وراثة جينات القتل من كل الجلادين في تاريخ عروبته المزعومة، كما تعكس سلوك القتل الكسبي الذي تطبع في شخصية صدام، من جراء عوامل التربية، والمحيط الاجتماعي، والسياسي الخاطئ الذي نشأ وتسلّق عليه.

سمعنا عبر تسجيل فيديوي لصدام أثناء اجتماعه “بنسخ منه” من رجال القتل يقول بالنص : “والله كل قضية تستحق قطع ألف رأس ” نسأل هنا أي قضايا صدام العادلة التي تستحق هذا العدد من قطع الرؤوس؟ وأي إجرام قاتل هذا الذي يسمح بالأخذ بجريرة الآخرين قتلاً، وتعذيباً، وإيذاءً.

أطلق صدام العنان لشهوة القتل لنفسه وأزلامه، وأخذوا ينفذونها كيفما اتفق، وبما يناسب مواقف القتل، وبما يخطر على بالهم، وتشتهيه نزواتهم اتجاه الضحية، مرة القتل بالاغتصاب، ومرة ثانية بالتعذيب، وثالثة بالرصاص ، ورابعة وخامسة … حتى وصلنا إلى إحصاء مئات جرائم القتل التي طبقت على العراقيين بأدوات تقليدية  أو بأدوات عسكرية  أو بأدوات قتل خاصة مستوردة.

اختلفت صورة الموت في المخيال العراقي في زمن حكم القتلة، ولهم ذلك ! فكيف يظنون السلامة والأمان إذا كان حاكمهم قاتلا ؟!

فكيف يتخيلون الموت المباح في “دولة القتل” الذي يطالهم وهم بين هم الاعتقال والاغتيال والزج في الحروب والتعذيب في السجن حتى الموت ، أو أن ينزل عليهم الموت من الجو، مرة بصاروخ ومرة بغاز يلقى عليهم من الأعلى أو من غارة عسكرية مفاجئة.

التطرف السلطوي القاتل الذي تكون منه البعث وصدام وسياسة حكمه ، مثلت مرحلة ” التطرف المرعب” بكل صورة و قساوته، وبأعمق آلامه.

فالفرد العراقي في زمن حكم القتلة “صدام وزمرته ” كان لا يُستبعد تطبيق كل فنون القتل عليه وعلى أفراد أسرته وعائلته وعشيرته، بل وحتى الحي السكني الذي يقطنه.

صدام القاتل المبيح للقتل مثل الوجه القبيح للعنف البشري المتطرف وحزبه القاتل يمثل نزوة حكم غائر مع دماء الأبرياء، وعمق المقابر الجماعية التي خلفها إرث للقسوة، والشرة، والعدوانية.