ataba_head
banarlogo

النزعة الطائفية للنظام البعثي تجاه الشيعة في العراق-3- / لغة الازدراء

النزعة الطائفية للنظام البعثي تجاه الشيعة في العراق-3-

لغة الازدراء

د. قيس ناصر

باحث وأكاديمي

 

 

بعيداً عن البحث في أصل المفردات ( شروكيَّ وعجمي، وشعوبي) واستعمالاتها القديمة، إلا أن هناك اتفاقاً بأنَّ هذه المفردات تطلق لازدراء مكون عراقي، له الأغلبية في الدولة العراقية منذ تأسيسها وحتى وقتنا الراهن، بعضها استند إلى توصيفات مناطقية، وقومية، وأخرى ثقافية من دون الإشارة بشكل صريح إليها، إنَّما مستعملها يدرك أنَّها وسيلته لازدراء ذلك المكون .

وبتعبير سايكولوجي، يتحدد معنى مفاهيم الازدراء من خلال ميل الكلمة واستعداداتها بإنتاج ردود أفعال مؤثرة لدى الناس، وهذا الميل هو الهالة التي تلازم الشعور وتحوم حول قوة معنى الكلمة، لأنَّ هدفَ المتكلم أن يتسبّب بإيصال شعوره بالازدراء إلى المستمع من خلال المعنى الكامن (المستتر) الذي ينطوي تحت بعض المفاهيم.

 إذن الفرد هو الذي يوضح تفاعل استعدادات الكلمات فكل كلمة لها معنى، وإذا استبدلت بكلمة أخرى سيكون هناك اختلاف في المعنى مثل استعمال مفردة شروكي، فهي في سياقها العام استعملت للازدراء، أما في معناها اللّغوي فهي تشير إلى المناطقية (الشرق)، لكن مستعملها يقصد من خلالها التعبير عن ازدرائه، ولا سيما في تسعينيات القرن العشيرين،  وكذلك الحال مع مفردات أخرى مثل: مفردة (عجمي)، التي في دلالتها بالمعنى العام تأتي لتصف من هو غير عربي، إلا أنَّ في استعمالها بالسياق الاقصائي، فأنَّها تشير إلى ازدراء أي شيعي معارض للنظام البعثي، وكذلك الأمر نفسه مع الشعوبي، التي أشار إليها الباحث في المقال السابق ضمن سلسلة النزعة الطائفية للنظام البعثي تجاه الشيعة في العراق، فهذه المفردات تتضمن جانبين أحدهما يتعلق بالمتكلم والآخر بالمستمع، فكل ترميز من جهة المتكلم الهدف منه إحالة ما وتوصيلها إلى المستمع أي التسبب في أن تكون لديه إحالة تشعره بالانتقاص منه، وهذا النوع انتشر في ظل النظام البعثي بشكل كبير .

استند النظام البعثي إلى ماكنة الخطاب القومي العربي-الذي تبين هشاشته مع حرب الخليج الثانية 1991-، لازدراء ناشطي الشيعة وتصويرهم بأنَّهم عجم، ومختلفون قومياً عن العرب، عجم (المفرد أعجمي) مفردة عربية تعني غير عربي، وعادة ما يُفهم (العجم) على أنّهم الإيرانيون، وتم استعمال هذه المفردة (عجمي) لتشويه سمعة الناشطين الشيعة من خلال التشكيك في ولائهم الوطني ونسبهم العربي، واللافت في استعمال هذه المفردة ( عجمي)، أنَّها قد اعتمدت الاقصاء الانتقائي أي أنها لم تشمل جميع الشيعة في العراق، إنما شملت معارضي النظام البعثي فحسب، على العكس من استعمال مفردة الشروكي، التي كانت شائعة في التسعينيات كشكل من أشكال ازدراء الشيعة في جنوب العراق ولاسيما بعد الانتفاضة الشعبانية في 1991م، وفي هذا السياق هناك من وصف بتوصيفين ازدرائيين هما (عجمي وشروكي) إن كان من الجنوب ومعارضاً للنظام البعثي أو ناشطاً لهويته الشيعية، وبالتأكيد أن لغة الازدراء لم يؤسس لها البعثيون، إنما سادت في ظل حكمهم، وامتداداتها مع القوميين في العراق، كما تم ذكره في السطور السابقة، وهذا ما يشير اليه بعض الباحثين  أيضاً   .

   إن هذه المفردات التي أشار إليها المقال وغيرها، يهملها بعض الباحثين في اشتغالهم على حقبة حكم حزب البعث، إلا أنه من الضروري الاهتمام بها والاشتغال عليها بشكل تفصيلي؛ لأن استعمالها قد استمر لفترة طويلة، ولا تزال بعض رواسبها المتمثلة بآثارها النفسية والاجتماعية .