banarlogo

التعذيب وسيلة حكومة الجور البعثية (1) 

التعذيب وسيلة حكومة الجور البعثية (1) 

الأستاذ المساعد الدكتور

رائد عبيس 

عضو المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف

 

اعتادت كثيرٌ من الأنظمة عبر التأريخ البشري في اتخاذ التعذيب وسيلة الترويض الأبرز مع الشعب ، والتعذيب الذي لا يُروض يُستبدل بالقتل  والنفي أو السجن مدى الحياة، و هذا الأسلوب كان الأسهل عند كثير من حكام الجور والتسلط والدكتاتورية.

هناك أسئلة كثيرة في هذا الموضوع يجب أن تطرح؛ لأن أيَّ شخص يطلع على فنون التعذيب المتوحشة التي مارسها نظامُ حزب البعث الجائر بحقّ شعبه يصاب بالدهشة،ويتساءل لماذا كل هذه القسوة في التعذيب ؟ وما المعيار الذي تحدده السلطة المُعذبة في اختيار أحد فنون التعذيب لجريمة معينة أو حتى من دون جريمة ؟ بعبارة أخرى  كيف يتم اختيار وسيلة التعذيب بما يناسبها من جرم ما، مشهود أو غير مشهود مشتبه به ؟ وهل كل طرق التعذيب تناسب أعمار وأوضاع وجنس المعذب ؟ و من الذي يلتزم بتطبيق العقوبات التعذيبية على الضحايا من دون تجاوز ؟ وهل هناك عقوبات جزافية ، كيفما اتفق ؟ وهل التعذيب رسالة تهديد وإخافة اتبعها النظام مع الآخرين ؟  ولماذا يُعاقب الضحية بعقوبة لا تناسب عمره أو الجرم الذي يتهم به ؟ وهل كل العقوبات بحق الضحايا هي صادرة على وفق أوامر وكتب رسمية؟ وهل كل العقوبات تتطلب تدريب من ينفذها ؟

ما الذي يقرر عقوبة الإذابة مثلا ًبماء النار أو التيزاب ؟ ومن الذي يختار عقوبة الشنق ؟ ومن الذي يقرر عقوبة الإعدام ؟ ومن الذي يقرر أو يختار عقوبة الضرب حتى الموت ؟  هل كل ذلك كان مسموحا به لرجال الأمن مع المعتقلين الضحايا؟ أم أنه يخضع لأوامر قيادات عليا وغيرها ؟

هل كانت المعتقلات هي المكان الوحيد للتعذيب ؟  وهل كانت هناك محاجر خاصة للتعذيب ؟ أم أن التعذيب يقع حيثما تواجد عناصر البعث الجائر على شعبه، وأين ما ظفر بالضحية ؟ وهل كانت هناك وسائل تعذيب خارج نطاق المعتقلات ، كالتعذيب في الخدمات وأنماط العيش ؟

من البديهي أن كل تفاصيل جريم التعذيب المتضمنة في الأسئلة المتقدمة ، كانت سلوكا بعثيا جائرا على جميع الشعب العراقي من دون استثناء، إذ إن البعث لم يستثن أي أحد استشعر اتجاهه خطر تهديد السلطة ورموزها ! فمنح أزلامه سلطة التعذيب المطلقة والمفتوحة والمتنوعة اتجاه من يعتقد أنهم يشكلون خطراً على نظامه، متجاوزاً بها كل قوانين العقوبات المدنية، والعسكرية، والجنائية، والحقوق الإنسانية، و مخلفاً وراءه مجتمعاً يعاني من كثير الأزمات النفسية، والعوق البدني، والعاهات المستديمة .

فالعراق كان ساحة تعذيب مفتوحة، كما ساحات العراضات التي يعذب بها المتدربون للجيش والتجييش في المعسكرات الشعبية وما شابه.

ما الذي جناه حزب البعث من سياسة التعذيب لمئات الآلاف من الناس بما فيهم النساء والأطفال ؟ لعل هناك من يعتقد أن هذه الممارسات كانت قد حافظت على سلطته وعززت استقراره ، نقول إنَّ نظام البعث لم يعش مرحلة استقرار نهائياً؛ لأنه حارب شعبه واتخذه عدواً وبقي يعاني معه قلق التهديد، والخيانة، والانقلاب والاغتيال … وغيرها، وكان قد ذكر ذلك رئيس النظام نفسه بعد اعتقاله، قال : ” إني كنت مستعدا دوماً لهذه اللحظة ، ويقصد بها لحظة الإعدام شنقاً “.

فمظالم التعذيب التي طالت الشعب العراقي كانت بالتأكيد سببا في إذلال رأس النظام البعثي وأزلامه.