banarlogo

النزعة الطائفية للنظام البعثي تجاه الشيعة في العراق-2-

النزعة الطائفية للنظام البعثي تجاه الشيعة في العراق-2-

 

د. قيس ناصر

باحث وأكاديمي

 

 

 

   هناك قول للروائي الروسي دوستويفسكي: “الأصعب هو امتلاك الفكرة، والأسهل هو قطع الرؤوس”.

 إنَّ تمثيل هذا القول كان واضحاً في سياسة النظام البعثي تجاه الشيعة في العراق، فبعد أن لم يجد أفكارا يستند إليها، قد عمد إلى ارتكاب أقسى الجرائم -التي لم يتقن سواها- تجاه من لم يؤيده أو يختلف معه، بعد أن هيمن بحزبه على مؤسسات العراق كلها .

   في كتاب حنا بطاطو المشهور عن العراق يقول في الجزء الثالث” كان للبعثي أن يبحث بلا طائل في كل أدبيات حزبه –مثلاً- بتحليل موضوعي واحد لأي من مشاكل العراق، ولن يجده، وبدلاً من الفكر، لا يمكنه أن يعثر إلا على شعارات عريضة وغامضة، وبدا وكأن الكل عاجز عن إنتاج الأفكار” .

   ربما يُستثنى من القول أعلاه فكرة الشعوبية التي وجد فيها نظام البعث ضالته في اتهام معارضيه وفي الوقت نفسه ليُشكل ذاكرة كما يراها حزب البعث، من دون النظر إلى اختلاف مكونات العراق بقومياته وأديانه ومذاهبه، وكانت الشعوبية معتمدة على المخيال التاريخي أكبر من اعتمادها على الصياغة الايديولوجية لمخططات الدولة المعاصرة، وهذا المخيال يركز دائماً على العصر الذهبي للعرب إبان الأمبراطورية العباسية، فضلاً عن تركيزه على المجتمع العربي في العصر الجاهلي أو في حقبة ما قبل الإسلام، ولم يكن يقصد منه أن يوحي بالتماثل بين ما تحقق في الماضي وما سيتحقق في ظل حزب البعث، إنما قصد منه التشجيع على عدم الثقة بين مكونات العراق الأساسية  كما أشار إلى ذلك  مؤلف كتاب: مذكرات دولة (السياسة والتاريخ والهوية الجماعية في العراق الحديث)، وكانت إحدى الاستراتيجيات التي أراد حزب البعث إيصالها على وفق ترويجه لهذه الفكرة، هي أن الشعوبيين وهم غير العرب من الذين كانوا يشكلون البيروقراطية العباسية قد عملوا على نخر الخلافة من الداخل وتسببوا بانهيارها، مع الربط بين الشعوبية والشيعة من غير العرب، وفي ذلك رسالة إلى شيعة العراق من خلال ربطهم بالشعوبية أيضاً، التي نظّر لها الحصري والدوري كما ناقشها مؤلف كتاب جمهورية الخوف، وذكر أن طائفية حزب البعث انبثقت من نزعته العروبية التي لم تترك أثرها على المسلمين فحسب، إنما شملت غير المسلمين أيضاً، وتجسدت تلك الطائفية في فكرة الشعوبية .

   وفي المقابل من الخطاب الاقصائي الذي اعتمده النظام البعثي من خلال توظيف فكرة الشعوبية ولغة الازدراء باستعمال مفاهيم ( العجم، الشروك، التبعية،…. والقائمة طويلة) لوصف الشيعة في العراق، نجد أن الخطاب الوطني العراقي قد تعزز بفضل فتاوى المرجعية الدينية في النجف الأشرف، سواء أكانت السابقة لثورة العشرين أم اللاحقة لها، وهذا ما أشار إليه العديد من الباحثين، مثل: فالح عبد الجبار في بحث له ضمن كتاب الصراع المذهبي، وجعفر أبو التمن في سيرة سياسية، فضلاً عن علي الوردي في الجزء السادس من اللمحات، وباحثون موضوعيون آخرون درسوا دور شيعة العراق في بناء الدولة العراقية المعاصرة .

   الخلاصة أن نظام البعث في العراق قد وظّف مجموعة آليات لإقصاء الآخر الديني، والقومي، والمذهبي، من خلال اتهام المكونات العراقية بالشعوبية، التي صاغها كما يُريد هو، مع ميشيل عفلق وغيره، هذه الفكرة لم تكن لبناء دولة إنما من أجل الإقصاء الثقافي أولاً، والسياسي ثانياً، تحقيقاً للإقصاء في كل مجالات الحياة العراقية .