ataba_head
banarlogo

جريمة النظام البعثي بحق زائري الأربعين في عام 1977 (1)

جريمة النظام البعثي بحق زائري الأربعين في عام 1977 (1)

الباحث عبد الهادي معتوق

مع حلول شهر المحرم الحرام عام 1397 للهجرة ، أي في أوائل سنة 1977م، أصدرت وزارة داخلية النظام البعثي المقبور في العراق تعليمات وأوامر منعت فيها إقامة الشعائر الحسينية كالمواكب والمسيرات سواء أكانت شعبية عامة  كالمسيرات السنوية لآلاف المسلمين سيراً على الأقدام من مختلف أنحاء البلاد ، من بغداد وديالى والحلة والديوانية والكوت والناصرية والعمارة والبصرة وغيرها من المحافظات إلى كربلاء المقدسة أو كانت منظمة من قبل جمعيات خاصة لمنطقة من المناطق أو مدينة من المدن أو مهنة من المهن أو عشيرة من العشائر العراقية أو أحد علماء الدين وغير ذلك ، كما حددت تعليمات وأوامر وزارة الداخلية مجالس العزاء الحسينية ، واشترطت فيها الموافقة على الزمان والمكان وعلى شخصية القارئ المحاضر وإجباره– إن أمكن– على مدح السلطة البعثية والثناء عليها ، كما منعت المظاهر العامة للمناسبات كافة، كاستعمال وحيازة أجهزة التكبير الصوتية ، واللافتات والأعلام والرايات المتعارفة في هذه المناسبة ، كما أغلقت الحسينيات والجوامع كافة التي اتخذت كمقرات خاصة للمواكب الحسينية والجوامع المتخذة كمقرات خاصة للمواكب الحسينية في أنحاء البلاد كافة ، ومنعت أيضا الممارسات الدينية الأخرى الخاصة بالمناسبات ، كطهي الطعام لزوار مرقد الإمام الحسين عليه السلام والمقيمين لشعائره ، وحتى توفير مستلزمات الضيافة الأخرى لهم كوسائل الراحة والنوم 

وحدد عدد قليل من وسائط النقل الأهلية التي يسمح لها بنقل أكثر من مليون زائر  من أنحاء العراق كافة إلى كربلاء المقدسة ، وذلك بهدف الحد من درجة الاقبال على هذه الشعائر الإسلامية الكبرى ، وغني عن البيان إنّ مثل هذه المناسبة الإسلامية لدى مسلمي العراق خاصة تعدّ من أقدس المناسبات الإسلامية في سعة الانتشار ، وعمقاً في الوجدان والضمير الشعبي وعظمة في المظاهر والممارسات ، ومن خلال هذا الموقع  العظيم لهذه المناسبة في واقع الشعب العراقي ووجدانه ، يمكننا معرفة عظم الصدمة التي حلت بمشاعره وعنق الجرح الذي أحدثه النظام البعثي في نفسه ، وبقي أيامه الأولى من المحرم الحرام وحتى العاشر منه في ذهول وحيرة لا يكاد يصدق اُذنيه وحتى عينيه وهي تشاهد رجال الأمن والمخابرات وقطعات مدرعة من الجيش مرابطة ومنتشرة في أرجاء ومداخل كربلاء المقدّسة كافة ، وفي مخارج المدن الأخرى المؤدّية إلى مدينة الدم والشهادة مدينة الحسين بن علي عليه السلام ..

وكانت الأوامر قد صدرت إلى جلاوزة الأمن والمخابرات بتفتيش السيارات ، ومصادرة كل مستلزمات إقامة الشعائر الحسينية ، حتى أنها أخذت تتلف كافة المواد الغذائية المعدة لإطعام الضيوف الوافدين لزيارة مرقد الإمام الحسين عليه السلام ، وتعتقل كلّ من يشتبه به أو يعتزم خرق التعليمات والأوامر البعثية الجائرة في هذه المناسبة ، وقد أشرنا سابقاً أنّ محاربة السلطات البعثية للشعائر الحسينية وغيرها من الشعائر الإسلامية ، بدأت منذ سنوات ورافقت عمليات الاضطهاد والتصفية لقادة ورجال المعارضة الإسلامية في العراق والحوزة العلمية في النجف الأشرف ، وكانت الجماهير الإسلامية تقاوم بكل بسالة وصمود هذه الحرب الدنيئة من قبل النظام البعثي الحاقد على الإسلام وشعائره ، ولكنهم صدموا صدمة شديدة بهذا التصعيد المفاجئ من قبل السلطة الإرهابية  ، فلم تتوقع أن يصل الحد بالقيادة البعثية إلى هذه الجرأة والوقاحة بحيث تصدر هذه الأوامر والتعليمات الحاقدة ، وتتصدّى بكلّ خسّة ووحشية لكل من يحاول مجرد التعبير عن مشاعره الإسلامية في هذه المناسبة التي تشربت في أعماقه ووجدانه منذ الطفولة ممتدة جيلاً بعد جيل عبر مئات السنين ، معبرة عن أصالة مسيرة الثورة الدائمة للاسلام على الباطل وأصنامه الطغاة .