النزعة الطائفية لنظام البعث تجاه الشيعة في العراق-1-
د. قيس ناصر
باحث وأكاديمي
في دراسةِ موقفِ حزبِ البعثِ في العراق من الإسلام بشكلٍ عام، قُدِّمت بعضُ الدراساتِ التي أفادت من أرشيف حزب البعث، وإحدى تلك الدراسات هي لصموئيل هيلفونت، التي سيحاولُ الباحثُ تقديمَ مراجعةٍ تفصيليةٍ لها في وقت لاحق، لكن ما يهمنا هنا هو سياسة حزب البعث في العراق تجاه الشيعة كمكون ومن خلال المصطلحات السياسية المتداولة كجماعة لها هويتها الثقافية الخاصة، وبتعبير آخر اعتماد النزعة الطائفية في سياسة الحزب، التي يحاول بعضهم نفيها، أو التقليل من أهميتها على اعتبار أن حزب البعث كان يعتمد تفسيراً تقليدياً للدين، بالارتكاز الى العلمانية في سياسته وهذا هو الفهم الساذج والسائد في الوقت نفسه .
وفي المقابل من السياق أعلاه، يذكر هيلفونت في كتابه (الإكراه في الدين)، غالباً ما كان للإسلام الذي روّج له حزب البعث في العراق وفق سياسة الانحياز لطائفة دون أخرى، بل إنَّ العلمانيين من أعضاء الحزب كانوا يميلون لطائفة معينة ويتبنون أساسياتها في فهم التاريخ الإسلامي، فضلاً عن أنَّ المناهجَ الدراسيّةَ قد اعتمدت نسخةً مذهبيةً لطائفةٍ بذاتها دون الإشارة إلى فهم الطوائف الأخرى .
عادة، ما يلجأ بعضُهم لمحاولة إبعاد النزعة الطائفية من خلال القول إنَّ استعمال الأوصاف ذات التصنيفات الطائفية كانت غير متداولة!!!! وبتعبير آخر أنّه لا يوجد تداول رسمي لمفردات شيعة وسنة وغيرهما، لكن حين البحث في سياسة الهوية التي اعتمدت قبل 2003م، نجد أنَّها لم تعترف بوجود الشيعة كجماعة لها ثقافتها وهويتها الخاصة، ولم يقف الأمرُ عند هذا الحد، فالنزعة الطائفية تمثّلت بحجم الجرائم التي ارتكبها البعثيون ومؤسساتهم القمعية تجاه الشيعة في العراق، من عمليات قتل، وتهجير، واخفاء قسري، ومئات المقابر الجماعية، وفي هذا السياق صدرت عن المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف العديد من الكتابات التي توثق تلك الجرائم، ومنها الموسوعة الوثائقية للمقابر الجماعية المفتوحة في العراق.
في سياق النزعة الطائفية لنظام البعث، فقد وضع البعثيون كلَّ المعوقات أمام شيعة العراق، للاحتفاء بهويتهم الدينية ولا سيما إحياء ذكرى عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام وزيارة الأربعين.
إن ثقافة الاقصاء قد كانت سائدة في تلك الحقبة، إذ لا توجد مدرسة أو شارع في جنوب العراق تسميتهما مرتبطة برمز من رموز الشيعة، وإن وجدت فمحدودة جداً، وهذا الأمر هو شكل من أشكال الاقصاء الثقافي، فضلاً عن سياسة الاقصاء السياسي وسياسة الازدراء التي اعتمدها النظام البعثي وروج لها، وبإمكان من يبحث عن توثيق للنزعة الطائفية التي اعتمدت سوى اللجوء إلى المقالات التي كُتبت في جريدة الثورة في نيسان 1991 م، وتضمنت هجوماً مبتذلاً على شيعة العراق، وعلى تعبير الدكتور سلمان الهلالي أنها –أي تلك المقالات- قد وظفت أقسى العبارات، واعتبرت شيعة العراق أشراراً ومنحطين بالسليقة، وليسوا عراقيين أو عرباً، إنما هم من سلالة العبيد الوافدين من الهند، ويطيعون ديانة وضيعة لا تحتوي أية مبدأ أخلاقي، وغيرها من العبارات العنصرية، وكان عنوان المقال الأول: (ماذا حصل في أواخر عام 1990، وهذه الأشهر من عام 1991، ولماذا حصل الذي حصل)، وفي مقال آخر، احتوى هجوماً ساذجاً على المعتقدات الدينية الإسلامية للمذهب الشيعي، ويُقال أن كاتب تلك المقالات هو صدام نفسه، ونزعتها الطائفية الاقصائية واضحة ضد شيعة العراق .