banarlogo

زيارة الأربعين .. هزيمة البعث وانتصار الضحية

زيارة الأربعين .. هزيمة البعث وانتصار الضحية

أ.د. حسين الزيادي

 

 

   توالت حكوماتُ الظلم والطغيان على منع إقامة شعائر نهضة الإمام الحسين عليه السلام وأهمها زيارة الأربعين المباركة؛ لأنَّها تدرك جيداً أنَّ الجماهيرَ تستلهم الروح الثورية من مواقف الإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته الاصلاحية، وإن مسيرة الأربعين ليست مسيرة اعتيادية بل تحمل في طياتها كلَّ معاني الرفض والتبعية للظلم والفساد وتهدف لمواجهة الظلم أينما وجد، وقد شاء الله سبحانه وتعالى أن تحتلَّ  النهضةُ الحسينية بُعداً زمانياً ومكانياً واسعاً، فمن حيث الزمن امتدت من سنة (61 هـ) إلى يومنا هذا وستستمر إلى ما شاء الله، أما البعد المكاني فملحمة الطف لم تقف عند حدود أرض كربلاء وإنما امتدت على كل أرض تشهدُ صراعاً بين قوى الحق وقوى الباطل حتى أصبحت كل أرض كربلاء، وفي عهد حكومة البعث تتحول معظم المدن العراقية بالأخص النجف وكربلاء المقدستين وعلى امتداد شهري المحرم وصفر إلى انتفاضة مشتعلة تهابها السلطة وتخشى تصعيدها، وقوبل هذا المنع بتحدي واضح من قبل انصار مدرسة أهل البيت عليهم السلام، وكانت  زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) مشياً على الأقدام تتم في أقسى ظروف المنع وأكثرها وحشية وقسوة،  وكانت انتفاضة صفر الخالدة في عام ١٩٧٧ مثالاً على دموية النظام البعثي ووحشيته المفرطة، وتشير المعلومات الموثقة إلى استشهاد المئات من الزائرين بعد احتجازهم في السجون وتعرضهم للتعذيب.

     كان الاستنفار الأمني يبدأ في شهري المحرم  وصفر، إذ يُطلب من كوادر البعث التواجد على طرق الزائرين، ومراقبة المناطق التي يمرُّ بها الزوار مشيا على الأقدام، ويرفعون تقارير منتظمة ودورية بالأحداث، كما كانت تنصب سيطرات عند مفارق الطرق، وكانوا يمنعون المواكب الحسينية التي تقدم خدماتها إلى الزوار ويشمل المنع إقامة مجالس العزاء فيها، وكل فعل من شأنه بعث روح الحماس والثورية.

والجدير ذكره أنَّ أجهزة حزب البعث كانت تبعث قسماً من عناصرها يمشون مع الـزوار ويتعايشون معهم لغرض رصد تحركات الـزوار ومعرفة من يؤويهم ويقدم لهم المساعدة، وكان خَدَمَة الإمام الحسين عليه السلام يقدمون خدماتهم ومساعدتهم للزوار بالطرق السرية، ففي منطقة الهندية على سبيل المثال كانوا يعبرون الـزوار إلى الجهة الأخرى بواسطة القـوارب خلال الليل لأنهم لا يستطيعون العبور على الجسر ويتم عبور ما يقارب(500) زائر خلال الليلة الواحدة ويستمر هذا العمل لمدة عشرة أيام، وكانت سلطة البعث تنصب السيطرات على الطرق العامة لمنع المشي، لذا اضطر الزائرون إلى المشي ليلاً في البساتين والمناطق الزراعية ويكمنون نهارا أما في البيوت أو في المناطق ذات الأشجار الكثيفة والبساتين، فقد كان الناس يشعلون الفوانيس والفتائل على طـول الطريق كي يرشدوهم على الطريق، وإذا تم القاء القبض على الزائر فيحاكم بجريمة بعد تكييف قضيته مع مواد قانونية أخرى لتصل عقوبتها إلى الإعدام .

ابتكر البعثُ في أواخر أيّامه ظاهرة الأعراس الجماعية في العشرين من شهر صفر، في مسعى منه لإسقاط هيبة مراسيم زيارة الأربعين،  شدد البعث من مسألة التغيب عن الدوام الرسمي في جميع المؤسسات المدنية والدوائر الخدمية والمدارس والمعاهد والجامعات خلال الزيارة الأربعينية، وشكل لجاناً أمنية لمتابعة المتغيبين وبيان أسباب ذلك في محاولة منه لتحجيم هذه الشعيرة إلى أدنى حدودها، ومن الأساليب الدنيئة لمحاربة الزيارة الأربعينية إشاعة ظاهرة المسير إلى رأس السلطة الحاكمة في بغداد لتكون هذه الظاهرة نداً لزيارة الأربعين، فبدأ أعوان النظام السير من مختلف المحافظات باتجاه العاصمة بغداد .

    اليوم رحل البعث بكل غطرسته وعفونته وهمجيته وسط خيبة وذل لا حدود لهما، فيما يخرج الملايين مشياً على الأقدام لإحياء ذكرى أربعينية الإمام الحسين عليه السلام لتتحول هذه المناسبة الدينية إلى مارثون جماهيري واسع، اليوم أضحت أربعينية الإمام الحسين عليه السلام حدثاً عالمياً ذا أبعاد متعددة في كافة الجوانب، فهي محطة تعبويه تنهل من معينها الأجيال عبراً ودروساً بما تحمله من مبادئ إنسانية وقيم تخدم المسيرة البشرية التي تنشد السلام والأخوة والتعايش السلمي والمجتمعي، وهذا التجمع المليوني ما عاد طقساً جامداً تتخلله مراسم العزاء والحزن، وإنما هو عملية تأمل في كيفية مواجهة الانحراف والظلم، وهو عملية تفاعلية تكسر الجمود والسلبية في تأطير القضية الحسينية بتجلياتها المادية الحسية بعيداً عن عناصرها المتفاعلة في تسطير خلود الدم على السيف بما يخدم أهداف الأمة وتطلعاتها.