تحويل القصور الرئاسية إلى متحف وطني تكريمًا لضحايا مجزرة سبايكر وإبراز مسؤولية الدولة
د. عباس القريشي
مدير المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرّف
تمثّل مجزرةُ سبايكر واحدة من أكثر المآسي الإنسانية رعبًا، وبشاعة، وعدوانية، ولا إنسانية في التأريخ المعاصر، حينما قام مجموعة من المتطرّفين والإرهابيين بقتل 2156 شابًا شيعياً بعد أن خدعوهم وآمنوهم وطلبوا منهم مغادرتهم القاعدة العسكرية التي عُرفت بـ (سبايكر ) بتاريخ 12/6/2014م ، هذه المجزرة ليست مجرد جريمة فظيعة، بل هي أيضًا توثيق لجرائم الإرهاب والفكر الطائفي المقيت وتوثيق لفشل الحكومة المحلية والجهات الأمنية المسؤولة آنذاك بحافظة صلاح الدين في حماية مواطنيها، وفي ارتكاب هذه الإبادة الجماعية دليل على تجذر الإرهاب الفكري لدى العديد من أبناء تلك المناطق التي كانت حواضن لكيان داعش الإرهابي، ومن هنا تأتي الضرورة الملحة في تحويل القصور الرئاسية إلى متحف وطني لضحايا مجزرة سبايكر؛ إذ يمكن أن تكون خطوة مهمة نحو التذكير بالضحايا وتسليط الضوء على مسؤولية الدولة في حماية حقوق المواطنين، وتظافر الجهود في مكافحة الإرهاب الفكري واقتلاعه من جذوره بل والعمل على وقاية الشباب الناشئ منه.
تكريم الضحايا:
إنَّ إحياء ذكرى ضحايا مجزرة سبايكر يعد واجبًا إنسانيًا وأخلاقيًا يجب أن لا يتمَّ نسيان هذه الأرواح البريئة التي فقدت بشكل مأساوي من خلال تحويل القصور الرئاسية إلى متحف وطني للضحايا، ويمكن أن يُعبَّر عن التقدير والاحترام لهؤلاء الشهداء الذين فقدوا حياتهم بصورة غير إنسانية.
و يمكن للمتحف أن يصبح مكانًا للتأمل والتعلم من الأحداث الرهيبة التي مر بها الوطن، سيما أن أهالي وذوي الضحايا وعددا كبيرا من العراقيين يشاركون سنوياً في إحياء الذكرى بالقصور الرئاسية التي هي خربات وبأمس الحاجة إلى أن تكون متاحف توثيقية تعزز الذاكرة العراقية على غرار المتاحف الدولية التي لازالت توثق جرائم النازية وغيرها.
إبراز مسؤولية الدولة:
يجب أن يذكِّر المتحف الوطني بأن الدولة تتحمل مسؤولية حماية مواطنيها وتقديم العدالة، وتحويل القصور الرئاسية إلى متحف للضحايا يرسل رسالة قوية إلى الحكومة والمؤسسات الحكومية بأن العدالة والحقيقة يجب أن تتحقق، ويمكن أن يساهم المتحف في تعزيز الشفافية ومكافحة الإفلات من العقوبة، مما يعزز من روح الثقة بين المواطنين والحكومة.
توثيق التأريخ:
يمكن للمتحف أن يكونَ مصدرًا مهماً لتوثيق تاريخ البلاد، بما في ذلك الأحداث المؤلمة، ويمكن أن يساهم في جمع الشهادات والأدلة والقصص من أقارب الضحايا وشهود العيان، مما يسهم في إثراء السجلات التاريخية وتقديم صورة دقيقة للأحداث.
إذن تحويل القصور الرئاسية إلى متحف وطني لضحايا مجزرة سبايكر ليس مجرد خطوة رمزية، بل هو تعبير عملي عن التزام الدولة بتكريم ضحايا المجزرة وتحقيق العدالة،يمكن أن يكون المتحف مكانًا للتعليم والتوعية والتأمل، ويمكن أن يساهم في تعزيز روح الوحدة الوطنية والالتفاف حول قيم الإنسانية والعدالة.
في الختام، يجب أن تأخذ الدولة مسؤوليتها في التعامل مع مثل هذه الأحداث المأساوية بجدية وشفافية، وتحويل القصور الرئاسية إلى متحف وطني يمكن أن يكون خطوة مهمة نحو تحقيق ذلك.