ataba_head
banarlogo

الطفولة المهدورة في زمن البعث

الطفولة المهدورة في زمن البعث
أ.د حسين الزيادي

العنف في مسيرة البعث له جذور بعيدة منذ تأسيس الحزب وسيطرته على مقاليد الحكم في العراق، فهو عنف ينحدر من جذور بدوية جاهلية؛ لأن العصابة البعثية الحاكمة كانت قروية بدوية بامتياز مرتبطة مع الصحراء حيث الثأر والانتقام والغلبة، وقد كان لعسكرة المجتمع أثر كبير في بروز العديد من الأمراض النفسية، وكان الأطفال الضحية الأولى لأنَّهم الفئة الأكثر تضرراً، إذ سعى نظام البعث إلى تهديم النسيج القيمي والاجتماعي للمجتمع بكلِّ قوة من خلال ممارساته الهادفة إلى تثبيت أركان حكمه وضرب أي حركة معارضة، ولم تسلم الطفولة من عبث سلطة البعث ونهجها العدائي المتطرف، فقد تغلغلت التصرفات العدائية في صميم النظام التربوي وأرخت بظلالها على طلبة المدارس، وأسهمت في تنمية روح الكراهية والعنف والاضطراب العاطفي، وهو أمر يشير إلى أن هذه الظاهرة متجذرة في ثقافة البعث، ومن أمثلة ذلك:
1- استعمل نظام البعث الأطفال ورقة تهديد لمن يراد انتزاع اعترافاتهم، فيتم احضار الأطفال أو النساء في بعض الأحيان ويتم تهديد السجين ليدلي باعترافات غير واقعية.
2- فتح بعض الأطفال عيونهم على الدنيا ليجدوا عوائلهم معتقلة، وأمهاتهم مكبلة بالقيود وأباءهم مغيبين في دهاليز السجون.
3- تعرض الأطفال للتهجير والترحيل مع أسرهم عندما تم ترحيل شرائح واسعة من الشعب العراقي بحجة التبعية وسحب الجنسية منهم، وبقيّ هؤلاء الأطفال بلا تعليم ولا خدمات صحية.
4- انتشار الأناشيد والأهازيج التي تدعو للعنف والكراهية ورفض الآخر، و لا يخفى ما لهذا التصرف من آثار ونتائج كارثية على نفسية الطفل وعلى المجتمع بصورة عامة، فضلاً عن كونها تصرفات همجية رعناء ترفضها كل النواميس والقوانين والأنظمة والتشريعات الخاصة بحماية الطفل؛ لأنَّ التعرض لمثل هذه المشاهد يسهم في فرز سلوكيات منحرفة ضارة ومدمرة، أبرزها السلبية والأنانية ورفض الآخر.
5- ارتداء الزي العسكري من قبل إدارات المدارس وحملهم للسلاح الشخصي واطلاق العيارات النارية خلال مراسيم رفعة العلم أيام الخميس أمام أنظار ومسامع الطلبة .
6- أسهم الإعلام المرئي في تدمير نفسية الطفل وغرس مفاهيم الكراهية ، فقد كانت قنوات الإعلام تستنفر كل طاقتها لعرض صور المعركة، حيث يعد العنف المرئي من أخطر أنواع العنف؛ لأنه يزيد الاستجابات العدائية لدى الأطفال، فالأطفال لا يولدون وهم محملون بالسلوكيات غير المقبولة اجتماعياً، لكن البيئة تسهم في بلورة وغرس الدوافع والنزعات ومنها العنف والكراهية.
7- تشويه جدران المدارس، من خلال الشعارات والرسوم التي تمجد سياسة البعث وتدعو إلى العنف، فضلاً عن تأثر الجانب التصميمي لبعض البنايات بثقافة الحرب، فصممت بعض الواجهات على شكل يحاكي تلك الثقافة.
8- عسكرة المجتمع في نوع من أنواع الإرهاب البصري، بحيث أصبحت الحياة العسكرية مندمجة بكل مظاهر الحياة المدنية، فنرى مدراء المدارس يرتدون الزي العسكري مع سلاحهم الشخصي، في محاولة لصهر كل طبقات المجتمع العراقي في إطار عسكري شامل.
إن كل سلوكيات النظام البعثي وتصرفاته تتعارض تماماً مع اتفاقية حقوق الطفل التي تعد أهم ميثاق دولي يحدد حقوق الأطفال المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية ، فضلاً عن كونها تتعارض مع المعايير والأسس الإنسانية ولا نجد لها مثيلا في تأريخ الإجرام، ففي قوانين البعث لا يتم التفريق بين الصغار والكبار، الرجال والنساء، الكهول والشيبة، فللسلطة لذة وللحكم سطوة تخرج الحاكم من آدميته وإنسانيته، ليتحول إلی مخلوق متوحش، فيسفك الدماء من أجل السلطة.