ataba_head
banarlogo

ملف التطرف العنيف قراءة في الجهد الحكومي

ملف التطرف العنيف

قراءة في الجهد الحكومي

أ.م.د. نصير كريم كاظم

 

 

شكّلت ظاهرة التطرف العنيف وباءً عالمياً، لذا أخذ المجتمعُ الدّولي خطواتٍ واسعةً وتدابيرَ وقائيةً للحدّ من هذ الوباء المستشري كالنار في الهشيم، والعراقُ كان من أكثر الدول تأثراً بالتطرّف العنيف، الديني منه تحديداً ، ودفع ثمنه غالياً وحسبُكَ ما سبّبه من دمار على الأصعدة كافة منها : السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن أعداد الشهداء والمفقودين والأرامل والأيتام.

والمتتبع للشأن الحكومي العراقي يلاحظ بعدم أو ضعف التحرك باتجاه السيطرة على هذا الوباء الذي أصبح دولياً من حيث التمويل والتخطيط الاستراتيجي، إلا بعض الفعاليات الخجولة التي تكاد تنحصر في إقامة بعض الندوات هنا وهناك.

إنَّ الانتصارات التي حققتها قواتنا الأمنية بمختلف صنوفها على الزمر التكفيرية الإرهابية ودماء الشهداء والجرحى ومعاناة عوائلهم، التي قامت بواجبها في علاج أخطاء متراكمة لايسمح المحل في الحديث عنها ولا لو لطف الله تعالى وتتدخل المرجعية الدينية لكنا اليوم في خبر كان.

وكان لزاماً على الحكومة العراقية القيام بعمل موازي بل مضاعف لا يقلّ أهمية عن الجهد العسكري، إلا وهو تجفيف منابع الإرهاب واقتلاع جذوره الفكرية التي يُبنى عليها.

وباستقراء من مختص لواقع التعامل الحكومي مع خطورة هذا الملف نجده ً خجولاً جدا، إذ اقتصر على إقامة نشاطات إعلامية محدودة لا تسمن ولا تغني، ويبدو أن الوضع السياسي ألقى بضلاله أيضًا على هذا الجهد الحكومي المتواضع  والذي يحتاج إلى مصارحة قبل المصالحة، مصارحة تجيبنا عن تساؤلات عديدة.

 أن التطرف العنيف في العراق لم يكن وليد يوم وليلة، وإنما نتيجة تراكمات كبيرة من خطاب الكراهية الذي كان الدين والطائفة مادته الأساسية، مما جعله يتلون بلون معين وفي حاضنة معينة.

ومن دراسة العوامل المسببة لانتشاره في جغرافيًا مناطق دون غيرها تتضح عدة مسسبات أولها الشحن الطائفي الذي استمر لسنين عديدة وأفاد منه السياسيون، الذي أُهمل ولم يعالج مما سبب هذ العنف الذي دفعنا ثمنه غاليا.

 لذا شكّل الدين مادة أساسية في توجيه المجاميع الإرهابية المتطرفة التي حملت شعارات إسلامية وجذبت المئات بل الآلاف من الإرهابيين للدفاع عن الدين كما يدعون.

ومن خلال أدنى متابعة يمكن لنا أن نحدد قصوراً كبيراً في أداء مؤسسات الدولة الأمنية والفكرية والتخطيط والتعليم والتربية والخارجية والأوقاف في مكافحة هذا الوباء، والكل معني بذلك، وقد نوفق في قابل الأيام للحديث عن ذلك بإذن الله.

إذ إنَّ الحكومة العراقية أمام تحدي كبير وسريع خاصة وإن الوضع الأمني غير مستقر إقليميا ودوليا، وقد يستغل هذا الملف من قبل من يريد السوء ببلدنا، ما دام لم يتم القضاء على جذور الإرهاب فكريا وتجفيف منابعه.

هي دعوة إلى الجهات ذات العلاقة: لتشكيل فريق من المؤسسات الحكومية المختلفة بالشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني بصلاحيات كبيرة، لإعداد دراسة واحصائيات مدروسة وعلمية من مختصين، غير خاضعة للأمزجة والعفوية وبعيدة عن التدخلات السياسة، لتحديد الأسباب الحقيقية للتطرف العنيف وآليات علاجه مع مدد زمنية محددة لإجابة عن:

لماذا ظهر العنف ؟ ولما اتخذت المجاميع الخطاب الطائفي سلاحا لها؟ ولماذا ظهر في بيئات معينة دون غيرها؟ وهل لازالت هذه الحاضنات العقائدية موجودة؟ ما الأصول الفكرية التي تبتني عليه الجماعات المتطرفة؟ وكيف نعالجها؟ ما الأسباب التي ساعدت في ظهوره؟ وكيف نعالجها؟ فضلا عن أن الفريق يقع على عاتقه تنفيذ هذه الدراسة الاستراتيجية.

ونسال أين الاستراتيجية التي وضعت لمكافحة التطرف من قبل مستشارية الأمن القومي؟ وما الذي أُنجز منها؟ وهل كانت واقعية وتعي خطورة هذا الملف.

كل هذه أسئلة تحتاج الى أجوبة، وقد نستطيع علاج ما يمكن علاجه قبل فوات الأوان.