ataba_head
banarlogo

صناعةُ التطرّف وجرائمه

صناعةُ التطرّف وجرائمه

الأستاذ المساعد الدكتور

رائد عبيس

عضو المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف

 

 

اختلفتِ المعاييرُ في تقييم ظاهرة التطرّف, وتحليل أبعادها ودوافعها, لا سيما على مستوى الدراسات الاستبيانية والاستقصائية وعبر تخصصات مختلفة مهتمة في هذا المجال, لعل بعضها أهتم بمفردة واحدة من مفردات وظواهر التطرف التي تحتاج إلى تخصصات دقيقة في مراقبتها وتحليلها وبيان أسبابها الحقيقية المشكلة لها والدافعة بها إلى العلن.

ما المقصود بصناعة التطرف ؟

صناعة التطرف : هو ذلك التطرف الذي يتشكل استناداً إلى استراتيجيات, ودوافع, وخطط, ومشاريع, يقصد بها إثارة حالة من التطرف التمثيلي, ليواجه حالة من التطرف الحقيقي ,بهدف كشف أبعاد, وأفكار, وتشكلات منبثقة منه, وحصد نتائج ردود أفعال, وتقارب نظريات أو بتشكل نظريات منها, بقصد رسم مرحلة جديدة, أو الاكتفاء بالمراقبة, والمشاهدة, لمخلفات المواجهة المتبلورة من هذا التصادم المفتعل بين نماذج التطرف.

أو بعبارة أخرى؛ تكوين حالة غير طبيعية من ظواهر التطرف في ظرف طبيعي , بقصد تحويله إلى ظرف غير طبيعي.

فصناعة التطرف وأدواته جعلت من فكرة تنامية أمرٌ متذبذب بين صانعيه, والمستفيدين منه , وجمهوره الساذج الذي يخوض فيه من دون معرفة الدوافع وراءه.

جاءت تجارب التطرف المتصاعد نتيجة التفاعل العاطفي مع دوافعه ومشاريعه, بسبب تكوين أرضيه مناسبه له, تارة تكون مساحتها دينية, وأخرى فكرية, وثالثة سياسية, فبين هذه العوامل المحورية في فكر كل متطرف تنشأ عوامل تكوينه أحياناً ظاهرة للعيان, وأحياناً متواريه بقصدٍ أو بدونه.

من المستفيد من صناعة التطرف ؟

أشرنا في تعريفنا لصناعة التطرف إلى إنه يهدف إلى إيجاد حالة غير طبيعية, وفوضى, القصد منها إيجاد حالة مربكة, وغير مستقرة, مع محاولة ديمومتها, أو الاكتفاء بتداعياتها. ويبقى سؤالنا من هذا الذي يهدف ؟ بالتأكيد إن صورة العدو الذي يريد ذلك متلونة بأشكال مختلفة من  الأعداء القوميين, أو الطائفيين, أو السياسيين المحليين أو الخارجيين, أو تجار الحروب, أو العكسريين, وكل من ينتهز ذلك.

يمكن أن يكون المتطرف الذي تجرأ عدواناً على حرق ” نسخة من المصحف الكريم ” و العلم العراقي, نموذج من نماذج صناعة العنف وتطرفه , أو التطرف وجرائمه , والكراهية وخطابها.

ويمكن أن يعبر عن قدرة الأنظمة في صناعة التطرف وسياساته الإجرامية.  فالنظام السويدي لم يسبق بأن كان له موقف معادي من النظام العراقي. والشعب السويدي لم يسبق بأن كان له موقف معادي من الشعب العراقي , ولا دين الدولة السويدية سبق وأعلن العداء من دين الدولة العراقية.

فصناعة التطرف في هذه الحالة جاءت من دون إعلان القصد من ذلك الترخيص القانوني لهذا الانتهاك ولا الفاعل المتطرف المجرم أبدى قصدية واضحة من خلال هذا الفعل ! الغموض الذي شاب دوافع هذا الفعل جعل من أمر تفسيرها بأنَّها ( فعل صناعة تطرف مقصود) لإحداث ردة أفعال في الوسط العراقي والتفرج على نتائجها , ولعل واحد من هذه النتائج هو التوظيف السياسي لحادثة الاعتداء على القرآن بين الفرقاء العراقيين .

وما يجعل الأمر شبه مؤكد على أن فعلة (حرق نسخة من المصحف) يدخل في صناعة التطرف, هو تكرارها بإصدار الموافقة الأمنية والترخيص مرة أخرى ومن قبل نفس الفاعل .  وإعادة تكرارها من قبل أنظمة أخرى, مثل نظام الدنماركي الذي رخص بها مرتين أيضاً.

فالترخيص القانوني لإعلان موقف متطرف هو صناعة تطرف آخر , وبهدف مقصود هو إثارة التطرف, وإيقاظه في بيئته النائم فيها، بل هو دفع بمحركاته صوب مواقف متطرفة أكثر؛ لأن معيار قبول التطرف ومواجهته متذبذب تبعاً لطبيعة المواقف السياسية التي تريد الاستفادة منه أو تسخيره، وهذا ما دأبت عليه مراكز الأبحاث والسياسات التابعة لها , والأنظمة السياسية التي تستهدف البيئة الأكثر تطرف, أو المرشحة لتكون بيئة تطرف, بعد إحداث إثارة بين الطوائف, والقوميات, والديانات, والأنظمة السياسية غير المنسجمة وغير المتصالحة, كأنظمة سياسة كثير من البلدان العربية والإسلامية وغيرها.

ما حدود جرائم التطرف ؟

ربما نفهم حدود التطرف بجريمة واحدة فقط ! ولعلها القتل؛ ببساطة لأنها الأبرز بين جميع الجرائم, ولأن أثرها واضح, وجنايتها يتفاعل معها الناس والقانون أكثر وأسرع .

ولكن هناك جرائم للتطرف غير محدودة , أو غير محصورة ببعد واحد دون الأبعاد الأخرى، بل لعلها غير منظورة لدى كثير من الناس, وإذا كانت منظورة ومشخصة فلها تداعيات غير مشخصة وغير متوقعة, وغير محسوبة أحياناً, تكون سنة سيئة لمن جرم جرمته المتطرفة, أو شجع عليها, أو دعا لها, أو أسس لها.

فكل فعل يخالف العقل والمنطق ويتجاوز الوسط يكون قد دخل في تطرفه, وعندها يكون مضراً, والإضرار بالآخرين هو جرم قد يحاسب عليه القانون والدين والعرف، فجريمة (حرق نسخة من المصحف الكريم) هي جريمة مصطنعة ضمن حدود جرائم التطرف وأيَّ كان شكله سواء كان ضد دين نظام دولة, أو ضد الدين نفسه, أو مضادة شعب متدين به, أو بقصد مواجهة أمة الإسلام, وهذا ما لم يفهم من قبل دول إسلامية كثيرة التي وعلى ما يبدو أنها فهمت (حرق نسخة من المصحف الكريم مع العلم العراقي) هو استهداف لدين نظام دولة العراق, وليس لجميع أمة الإسلام, لا سيما وإن الفاعل هو عراقي الجنسية, وهذا